النقولات الشعبية عامل تأريخ يقول مؤلف كتيّب " السيدة سكينة بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام " :
" وغني عن البيان أن من الصعب ، بل ربما من المستحيل ، أن نثبت مثلاً أن رأس سيد الشهداء عليه السلام قد أودع بالفعل في المشهد المعروف شرقي الجامع الأموي في دمشق ، وأن المقام المنسوب إلى السيدة رقية هو مدفنها حقيقة ، وكذلك المقام المنسوب إلى السيدة زينب . . الخ الخ من المستحيل المطالبة بإثبات ذلك إثباتاً تاريخياً موثقاً ، تحت طائلة الحكم بنفي النسبة أساساً . ذلك أن سيرة أصحاب تلك المقامات والمشاهد والملابسات التي أحاطت بسيرتهم وحياتهم وخصوصياتهم كثيراً ما تكون غامضة جداً . إما لأنها تقع خارج التاريخ الرسمي ، خارج اهتماماته ، وخارج مناهجه ، وإما بسبب المسح المتعمد على كل ما يتصل بأخبارهم من قبل السلطة وأجهزتها والمتعاونين معها .
من هنا ، فإننا نعكس اتجاه البحث وإشكاليته ، لنقول : ليس من الواقعية السعي إلى توثيق كل مقام أو مشهد توثيقاً سابقاً ومعزولاً عن تاريخيته هو نفسه بوصفه هو بنفسه أثراً ودليلاً تاريخياً . إن تلك الأبنية التاريخية العريقة لم تنهض بنفسها وكذلك لم تحفظ نفسها بنفسها . إنها مشيّدة وباقية لأن جمهوراً كبيراً تولى إشادتها وتوالى خلال العصور المتطاولة على حفظها ورعايتها وحياطتها وهو بعمله هذا أدى ويؤدي شهادة عملية ليس في وسع امرئ منصف أن يتجاهل مؤداها . والجمهور عادة أكثر براءة وأسلم طوية بما لا يقاس من المؤرخ المحترف . فهذا خصوصاً إذا كان ملتزماً جانب شخص أو جهة ، قد يحوّر أو يزيف إرضاءً لهواه أو لهوى غيره . وأهون آفاته أن يشيح بوجهه عن حدث أو شخص مهما كان محله ، فلا يعرض له بخير ولا شر لأحد السببين المشار إليهما أعلاه

27