والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وآله يلمس هذه الحقيقة لمساً ، وأن الله تعالى كان يدير أمره من أول يوم إلى آخر يوم ، وكان الرسول يطيع وينفذ . . مسلماً أمره إلى ربه ، واثقاً به ، متوكلاً عليه ، راضياً بقضائه وقدره . . ولذا جاءت نتائج عمله فوق ما يتصور العقل البشري ، وفوق ما يمكن لكل مهندسي المجتمعات ، ومنشئي الأمم ، ومؤسسي الحضارات . . لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وآله أن يحدث مداً عقائدياً حضارياً عالمياً في أقل مدة ، وأقل كلفة من الخسائر البشرية والمادية . . فرغم شراسة الأعداء والحروب لم تبلغ قتلى الطرفين ألف قتيل ! ! وما ذلك إلا بسبب أن إدارة الرسول صلى الله عليه وآله كانت من ربه عز وجل . . كان القرآن يتنزل عليه باستمرار من أول بعثته إلى قرب وفاته ، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيه دائماً ، بآيات قرآنٍ ، أو وحي غير القرآن ، وأوامر وتوجيهات ، وأجوبة . . . إلخ . وما أكثر الأمثلة في سيرته صلى الله عليه وآله على ذلك ، فهي مليئة بالتدخل الإلهي والرعاية في كبير أموره وصغيرها . . وهي تدل على أنه صلى الله عليه وآله ما كان يتصرف من عند نفسه إلا في تطبيق الخطوط العامة التي أوحيت إليه أو تنفيذ الأوامر التفصيلية التي بلغه إياها جبرئيل عليه السلام . . وكثيراً ما كان يتوقف عن العمل ، ينتظر الوحي ! وقد ورد أنه صلى الله عليه وآله قال : أوتيت الكتاب ومثله معه ، أي ما كان جبريل يأتيه به من السنن ( الإيضاح / 215 ) ، وأن جبريل كان ينزل عليه بالسنة كما ينزل بالقرآن ( الدارمي : 1 / 145 ) .