والمسألة الثالثة : أن الجانب الذاتي في الرسول عليه السلام موجود ومؤثر دون شك ، فهو مفكر ، نابغ ، مخطط ، فاعل مختار . . ولكن الذاتية في عمله ضئيلة جداً ! وما يقابل الذاتية هنا ليس الآلية ، بل طلب التوجيه من ربه دائماً عن قناعة ، وإيمان ، وتعبد . الرسول يجتهد في أمور ، شخصية أو عامة . . ولكن مساحة الأمور التي يسمح لنفسه أن يجتهد فيها ويعمل فيها برأيه ، لا تشكل إلا جزءً قليلاً من مساحة عمله الواسع الكبير ! فمثله كمثل مهندس أرسله رئيسه لتنفيذ مشروع كبير ، وهو مقتنع أن عليه أن يتصل دائماً برئيسه ، ليأخذ منه التعليمات الحكيمة الصحيحة ، حتى لا يقع في أخطاء ضارة . . فهو يعمل ويفكر وينفذ ، ولكنه على اتصال دائم بمركزه ، يأخذ منه مراحل الخارطة ، ويستشيره في رفع إشكالات التنفيذ ! وهذا المثل ، مصغر آلاف المرات عن مهمة الرسول عليه السلام . أما مركز توجيهه وتسديده ، فإنه لا يقاس بالله سبحانه أحد ، ولا بفعله فعل أحد . * * وعلى هذا ، يجب علينا في دراسة سيرة نبينا صلى الله عليه وآله أن ندخل في حسابنا هذه الأمور الثلاثة : - أنه مبلغ ما أمر به . - وأن عمله إنشاء أمة وإطلاقها في مسيرة التاريخ . - وأن عمله دائماً بتوجيه ربه وليس من عند نفسه . .