وتظهر بها حقيقة الأشياء ، ويعرف ويرى قبائح بواطن المعاصي فينفر منها بالطبع ، ويوكل به روح القدس فيؤيده ويسدده ولا يفارقه . وليس يعتريه غفلة أو سهو أو نسيان . وقلبه مثل البيت المعمور والعرش فهو محل نزول الملائكة وطوافها وعروجها دائماً . وقد أعطي انواعاً من أبواب العلوم . وهو علة حركة الفلك وايجاد الخلائق من الفلك إلى الأفلاك ، فكلّها كانت به ووحدت لأجله . ويحيى من طفولة وجوده يأكل ويشرب ، ويعبد الله كما يريده الله تعالى ويفعل ما يشاءه ويسبّح ويمجّد ويهلّل ويكبّر ويصلّي ويصوم ويحجّ ويفعل كلّ ذلك . وبعد أن ألطفه من ألطافه واحسانه ونعمه غير المتناهية وأوصله إلى الكمال الذي يمكن للممكن أن يصله ; زينه بأمر ارشاد وهداية خلقه بما لا يخرجه عن اختياره ورغبته ويكون قابلا لاستحقاق الثواب والمكرمة . وانه عليه السلام يُظهِر الدعوة مع عدم وجود مفسدة ( 1 ) في اظهارها ، فمن سمع أحسن لنفسه ; الا ( 2 ) جلس في فلك كبريائه سكت أو غاب . وان جميع مراتب هدايته وارشاده للخلق التي هي من مناصبه إنما هي بالنسبة إلى مقاماته عليه السلام بنسبة القطرة إلى البحر ، وكلّما كان ممكناً فانّه لا يظهر فيه نقص ولا ينقص من مقاماته الّا ما شاء الله بمضمون قوله : { ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك { ( 3 ) يأخذ كل ما أعطاه .
1 - المفسدة بمعنى الضرر . 2 - أي ومع وجود مفسدة في اظهار دعوته فانّه يجلس . . . الخ . 3 - الاسراء : الآية 86 .