وعلى هذا . . وإذ قد عرفنا منزلة ابن حضير عندهم ، وأثره في تثبيت حكمهم . . فالمقابلة في حديث الإفك بين أسيد ، وجعله يتخذ جانب النبي ( صلى الله عليه وآله ) والحق ، وبأنه رجل صالح ، ومن بيت في الأوس عظيم . . وبين سعد بن عبادة . . الذي وصف بأنه كان قبل ذلك رجلاً صالحاً ! ! وبأنه منافق يجادل عن المنافقين ! وسعد : هو المنافس لأبي بكر في الخلافة ، والمغاضب للخلفاء ، والمقتول غيلة في الشام وقد اغتالته السياسة - على حد تعبير طه حسين - ثم إعطاؤه في حديث الإفك دور العداء للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والمجانبة للحق . . إن هذه المقابلة ، تكون حينئذٍ طبيعية ، ولها مبرراتها المقبولة . . ومن منطلقات سياسية عميقة الجذور ، وبعيدة الأغوار ، لا تكاد تخفى على الناقد البصير ، والمتتبع الخبير . . ومن أمعن النظر وتدبر في مرامي الأهواء ، وعثرات وشطحات الميول . . بين الأوس والخزرج : ثم . . هناك المقابلة بين قبيلتي الأوس ، التي هي قبيلة أسيد بن حضير وقبيلة الخزرج ، التي هي قبيلة سعد بن عبادة . . فقبيلة أسيد تقوم لنصرة الحق وتأييد النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . أما الخزرج . . فتتحمس لزعيمها سعد ، فتشاركه في النفاق ، وفي الجدال عن المنافقين . . على حساب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والحق ، والدين . . وأولئك قد بلغوا الغاية في التقوى والورع والصلاح . . وهؤلاء . . قد بلغوا الغاية في قلة الدين ، وعدم مراعاة مقام النبوة والرسالة . . نعم ، لقد بلغ الفريقان الغاية ، هذا في باطله ، وذاك في حقه ، فكان التشاتم ، والتضارب بينهما بالأيدي والنعال . . حتى لقد كان من الممكن