ويكفي أن نذكر هنا أنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يقبل منه البعير أو البعيرين حين هجرته إلا بالثمن - كما تقدم - الذي نقده إياه فوراً وهو ( صلى الله عليه وآله ) في أحرج الأوقات . وإذا صح حديث رد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هبة أبي بكر هذه وهو مما استفاض نقله ، فإنه يأتي على كل ما يروونه عن إنفاق المال من قبل أبي بكر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) . هذا كله عدا عن أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يجهز في مكة جيشاً ، ولا أسعر حرباً ؛ ليحتاج إلى النفقة الواسعة في تجهيز الجيوش ، وإعداد الكراع والسلاح . كما أنه لم يكن يتفكه ، ويتنعم بإنفاق الأموال . وأما بعد الهجرة إلى المدينة . فإن أبا بكر قد ضن بماله ، الذي كان خمسة أو ستة آلاف درهم - كما يقولون - عن كل أحد ، حتى عن ابنته أسماء التي كانت في أقسى حالات الفقر والجهد ، حينما قدمت المدينة ، حتى لقد كانت تخدم البيت ، وتسوس الفرس ، وتدق النوى لناضحه ، وتعلفه ، وتستقي الماء ، وتنقل النوى على رأسها من بعد ثلثي فرسخ ، حتى أرسل إليها أبوها خادماً كفتها سياسة الفرس ، كما ادعت . كما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد مر في سنوات ضيق شديدة وصعبة ، ولا سيما قبل خيبر ، حتى لقد كان ربما يبقى اليومين أو الثلاثة بلا طعام ، حتى يشد على بطنه الحجر . وكان الأنصار يتعاهدونه بجفان الطعام ، فأين كانت عنه أموال أبي بكر وآلاف دراهمه ، التي بقيت إلى تبوك ، حيث يدعون : أنه جاء بجميع ماله ، وهو أربعة آلاف درهم حينئذٍ ؟ ! . إشارة عامة : والظاهر : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد أن لم يستطع إقناع أبي بكر بالكف عن المن عليه بأنه قد ترك أمواله وداره في مكة ، وأنه رافقه إلى الغار ،