نام کتاب : اللمعة البيضاء نویسنده : التبريزي الأنصاري جلد : 1 صفحه : 86
مثلا نقول تارة : ان شرب الخمر حرام ، وتارة أخرى : ان الخمر حرام ، والثاني أيضا راجع إلى الأول ، إذ لا معنى لحرمة ذات الخمر ، فان الحرام ما يترتب عليه العقاب ، ولا يترتب العقاب على ذات الخمر بل على شربه ، وهو الفعل المتعلق به ، وكذا قولنا : المغصوب حرام معناه ان التصرف فيه حرام ، والام والأخت حرام أي نكاحهما وهكذا ، فكلما تعلق الحكم على العين يراد بها الفعل الذي اشتهر تعلقه بها . مثلا في قوله تعالى : ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم . . . ) [1] يراد نكاحها لا النظر إليها ونحو ذلك ، ولا أكلها ولا غير ذلك ، و ( حرمت عليكم الميتة والدم . . . ) [2] أي أكلها وهكذا . ولما كانت الأحكام جعلية حاصلة بانشاء الشارع ، فقد أنشأ الشارع حكم الحرمة في أكل لحم الخنزير ، وحكم الحلية في أكل لحم الغنم ، فلو عكس كان الأمر بعكس القضية ، لكن هذا التخصيص من الشارع ليس بمحض الهوى ، بل هو وحي يوحى تابع للمصالح والمفاسد الكامنة في الأشياء فعلا أو تركا . مثلا إذا كان في الفعل مصلحة ملزمة كالصلاة التي هي مطهرة للباطن ، وجاعلة للطينة الانسانية نورانية قابلة لدخول الجنة دار قرب الجبار ، ومحل مصاحبة الأخيار ، وكان تركها جاعلا للطينة الظلمانية مستحقة لدخول النار ، والانتظام في سلك الأشرار ، جعلها واجبة لاشتمالها على المصالح الباطنية مما ذكر وغيره من المصالح الكثيرة ، والخمر بالعكس فعلا وتركا ، فجعلها محرمة للاشتمال على المفاسد الباطنية ، وكونها أم كل خبيثة ورذيلة . وإن كانت المصلحة جزئية غير ملزمة جعل الفعل مندوبا ، أو المفسدة كذلك جعله مكروها ، أو تساوى الطرفين جعله مباحا ، وكذا الكلام في الطهارة والنجاسة وغير ذلك ، فمباشرة الماء مثلا لا توجب الخباثة الباطنية ، ولا تبطل الصلاة ، ولا تمنعها عن الصحة المطلوبة اللازمة ، فحكم فيه بالطهارة بخلاف الدم والخمر