نام کتاب : اللمعة البيضاء نویسنده : التبريزي الأنصاري جلد : 1 صفحه : 361
وان من قال إن الشيطان خلق الشر فقد أشركه مع الله في سلطانه ، وقال تعالى في القرآن المجيد بعد ذكر الحسنة والسيئة : ( قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) [1] . ومن أول الأحاديث المذكورة بأن المراد من خلق الخير والشر هو خلق الخير والشر بخلق التقدير لا خلق التكوين ، وان معنى خلق التقدير انه منقوش في اللوح المحفوظ ، وان خلق التكوين وهو وجود الخير والشر في الخارج من فعلنا ، فلم يفقه الحديث بل ضل ضلالا بعيدا ، ولم يفرق بين الخلق والفعل ، وأشرك العبد مع الله ، بل صار حاله أشد من الثنوية ، فإنهم جعلوا الشيطان خالق الشر وحده ، وهذا أشرك معه تعالى جميع العباد ، وأضاف الخير أيضا إلى الشر ، فجعل الأفعال الخيرية أيضا مخلوقة لغير الله سبحانه مع أن الخالق غير الفاعل ، والعبد مظهر الفعل باختيار ، وخالق الفعل ومخرجه من العدم إلى الوجود هو الله سبحانه ، هل من خالق غير الله فأنى تؤفكون ، له الملك وله الحمد وإليه ترجعون ، لا إله إلا الله ، ولا مؤثر في الوجود إلا الله ، ولا معنى لنسبة خلق التكوين في الأفعال إلى عباد الله . نعم الله تعالى خالق كل شئ بالخلق التقديري أيضا في كل المراتب ، وله التقدير الكامل فيما اشتمل على القيود الثلاثة المذكورة ، وله التقدير في الجملة مع قطع النظر عن الأول والآخر فيما كان له مادة سابقة ، وبلحاظ التقدير الأخير ورد قوله تعالى : ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) [2] . فالخالق لأفعال العباد أيضا في الحقيقة هو الله سبحانه ، ولا يلزم من ذلك أن يكون هو الفاعل لها ، فإن الفاعل غير الجاعل ، إذ الفاعل للفعل هو المظهر المختار ، والجاعل هو الموجد باختيار هذا المظهر المختار له ، فالعبد يختار المشي إلى المسجد أو الخمار ، والله يخلقه بذلك الإختيار ، فيكون العبد فاعلا لا جاعلا ،