ناهيك عن الهتاف بعقيدته ، وإعلانها على رؤوس الأشهاد . في ظروف حالكة وعهود قائمة والسلطة الحاكمة فيها قيد في الأيدي ، وعلى الأفواه والسجون والمنافي جعلت بيوتاً ومأوى للفقهاء والعلماء والشعراء ، برغم هذا التعسّف كلّه يعمل نفر منهم جاهداً لإبادة الجهل والكفر والباطل ، وإزاحة الكابوس اللا عقائدي الّذي يهدف بمساندة أذنابه وعملائه إغراء الشعب ، ودفعه إلى أحضان الجهل والفساد ، وتفريق صفوفه وتمزيق شمله ، وفساد نظام مجتمعه ، وفصم عرى الأُخوّة الإسلامية ، وإثارة الأحقاد الخامدة ، وحشّ نيران الضغائن في نفوس الشعب الإسلامي ، ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ ) [1] . أجل ، لم تثن السجون والشهادة والتشريد وضرب السياط وإلصاق التهم عزائم قادة الدين الصحيح ، ولم تردعهم عن رسالتهم الصادقة ، وإنّما شقّوا عباب تلكم الظروف القاسية بالصبر والمثابرة والجهاد والمقاومة والبذل والمفاداة ، وحملوا راية المقاومة على جبهة الفكر الكريمة ، وحملوها عالية ، وإن سقطت واستشهدت دونها العشرات الفطاحل ، وهم بين فقيه ومجتهد ، وعالم ومؤلّف ، وأديب وشاعر ، فبلَّغوا وأدُّوا رسالتهم ، وحكوا كلَّ شيء لمن ألقى السمع وهو شهيد . لقد استحوذ الحقُّ ، وتغلّب الواقع على هؤلاء العباقرة منذ نعومة أظفارهم ، وحلّت الهداية الإلهية في قلوبهم ، فرأوا أزهار الجهل والفساد الّتي كانت تنبت بكلِّ مكان تتحوَّل إلى أظافر وأنياب في لحومهم ، وفي جسم الشريعة الإسلامية ، فثاروا في سبيل الحقّ ، ونهضوا في الذبِّ عن الحقيقة . والواقع أنّ الشعوب مدينة لهؤلاء المجاهدين المبدعين والأعلام النابهين ، الّذين كانوا في كلِّ دور وعهد مصدر المعرفة الإنسانية في آفاقها الّتي لاَ تحدّ ( إِنَّ الَّذِينَ