لاَّ أَسئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) [1] ، فما من شرف تمتدّ إليه الأبصار ، ولا من طرف يرتفع لديه اقتباس الأقدار ولا باب تعظم فيه الأخطار ولا لباب تقحم به الآثار إلاّ وقد جازته قادات الأطهار وحازته سادات الأبرار ، مع سعي المعاندين في إطفاء نورهم ( وَيَأْبَى اللَّهُ إلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ) [2] ، وبغي الجاحدين في تطريدهم وتشتيت قبورهم ، ويُريد الله أن يظهر حجّته ومزبوره ، فهل قُدّم عليهم إلاّ من سمل [3] عين الإيمان ؟ وهل تقدّمهم إلاّ من شمل قلبه الطغيان ، وقد ضاءت مدائحهم ومنائحهم في كتاب ربِّ العالمين ، وجاءت لأعدائهم قبائحهم وفضائحهم ظاهرة للناظرين . في طوايا التاريخ على امتداده يجد الباحث والمتتبّع رجالا وعباقرةً غيَّروا مسير التاريخ بعلمهم وفنِّهم ، واقتادوا الشعوب إلى شواطئ المجد والخلود ، وجداول الحقّ والواقع ، وأوقفوهم على المهيع القويم والصراط المستقيم . نستوقف على نفر من ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ولاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) [4] ، ويدفعون الأُمّة إلى قمّة الإنسانية والتكامل ، وفي أيديهم قبسٌ من تلك الحرائق الّتي يشعلها الأنبياء أضواء هداية على الطرق ، وزيتها من دمهم الّذي يتوهّج زيتاً ، لاَ أكرم في الزيوت ولا أضوأ في الإنارة ، ويقودون الأشرعة التائهة في اليمّ ، والقافلة الضالة الحائرة في البيداء ، إلى موانئ السلامة وسواء السبيل والهداية . يجد الباحث ببطن التاريخ صِوَر الّذين كانوا على امتداد التاريخ في الشموخ مشاعل وهّاجة ، ومنارات شاهقة ، حادوا قافلة الجهاد الفكري في ظروف قاسية في الأسار ، وقبضة الإرهاب والبطش الّتي كانت تلاحق كلّ من همس بإيمانه ،
[1] الشورى : 23 . [2] التوبة : 32 . [3] سمل عينه - من باب نصر - : قلعها . [4] الأحزاب : 39 .