أجلّ العلوم شأناً وأعلاها مكاناً وأرجحها ميزاناً وأكملها تبياناً علم الحديث . فله مِن بينها الرتبة الأعلى ، والمنزلة القصوى ، وكفى له علوّاً وامتيازاً ، وسموّاً واعتزازاً ، أنّه يرى منازل كانت مهبط جبرئيل ، ويعرّف وجوهاً نطق في ثنائهم الكتاب الجميل ، ويوصل إلى مربع محفوف بالتقديس والتهليل ، وينظم في عقد منظوم مِن جواهر معادن الوحي والتنزيل ، ويشدّ بحبل ممدود يصل إلى الله الجليل . ولمّا كان كمال الإيمان بمعرفة أئمّة الأزمان بمنطوق شريف القرآن وجب صرف الهمّة في كلِّ أوان ، لوجوب الاستمرار على الإيمان في كلِّ آن . ولهذا اهتمّ بشأنه العلماء ، وأتعبوا أبدانهم ، وأسهروا أجفانهم ، وتجرّعوا لنيله غُصص النوى ، وباتوا وفي أحشائهم تتّقد نار الجوى ، وخاضوا لأجله لجج الدماء ، وجزعوا المنفق البيداء ، حتّى فازوا بالمراد ، وأصبحوا زعماء البلاد ، ومناهج الرشاد ، وهداة العباد . وقد صنّف علماؤنا رضوان الله عليهم في ذلك كتباً مقرّرة ، وألَّف فضلاؤنا في الردِّ على مخالفيهم أقوالا محرَّرة ، وأجالوا في الحقائق والدقائق خواطرهم ، وأحالوا عن العلائق والعوائق نواظرهم ، ونصبوا في ذلك رايات المعقول والمسموع ، وأوضحوا آيات المستنبط المطبوع ، غير حائدين [1] عن رواية الصدق المبين ، وغير مائلين عن رعاية الحقّ اليقين ، فيستضئ المتعرّف بأنوار مصنّفاتهم ، ويرتدي المتحرّف بأسرار بيِّناتهم . وكيف لاَ تصرف العناية إلى قوم هم الأحبار الأشمّ والأبحار الخضمّ ، أحد السببين اللّذين من اعتلق بهما فاز قداحه ، وثاني الثقلين اللّذين من تعلَّق بهما اسفرّ من جميل السُّرى [2] صباحه ، ولايتُهم نجاةٌ في الأُولى والعقبى ، ومودَّتهم واجبةٌ ( قُل
[1] حاد عنه - من باب نصر - : مال وأعرض . [2] السير بالليل .