ومن أصحابه ودخل الحصن ، فجعل يأخذ المقاتلة فيضرب أعناقهم صبرا [1] ، فقال له القوم : أيها الرجل ! إنما فتحنا باب الحصن لان الأشعث خبرنا أنك أعطيت الأمان فلم تقتلنا ؟ فقال زياد : كذب الأشعث ، ما أثبت أحدا منكم في الكتاب غيره وغير أهل بيته وعشرة من بني عمه ، قال : فسكت القوم وعلموا أن الأشعث هو الذي أسلمهم للقتل [2] . قال : فبينا زياد كذلك يضرب أعناقهم إذا كتاب أبي بكر رضي الله عنه قد ورد عليه مكتوب فيه [3] : أما بعد يا زياد ! فقد بلغني أن الأشعث بن قيس قد سأل الأمان وقد نزل على حكمي ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فاحمله إلي مكرما ولا تقتلن أحدا من أشراف كندة لا صغيرا ولا كبيرا - والسلام . قال : فلما قرأ زياد كتاب أبي بكر رضي الله عنه قال : أما إنه لو سبق هذا الكتاب قبل قتلي هؤلاء ما قتلت منهم أحدا ، ولكن قد قضى فيه القضاء والقدر . قال : فكان نهيك بن أوس الأنصاري يقول : لقد نظرت إلى قتلى كندة فلم أشبههم إلا بقتلى قريظة يوم قتلهم النبي ( صلى الله عليه وسلم وآله ) . قال : ثم جمع زياد بن لبيد من بقي من بقايا ملوك كندة - وهم ثمانون رجلا - فصفدهم في الحديد ووجه بهم إلى أبي بكر رضي الله عنه ، قال : ثم إنه أتى بالأسارى [4] حتى أدخلوا المدينة فأوقفوا بين يدي أبي بكر رضي الله عنه ، فلما نظر أبو بكر إلى الأشعث بن قيس فقال [5] : الحمد لله الذي أمكن منك يا عدو نفسه ! فقال الأشعث بن قيس : لعمري لقد أمكنك الله مني ! وبعد فان قومي أطاعوني مخالفا وعصوني محاربا وقد كان مني ما كان من غيري ، وذلك ان صاحبك زيادا قتل قومي ظلما وعدوانا فكان مني ما قد علمت . قال : فوثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا خليفة رسول الله ! هذا الأشعث بن قيس قد كان مسلما آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وقرأ القرآن وحج البيت الحرام ،
[1] في معجم البلدان : سبعمئة رجل ضرب أعناقهم على دم واحد . [2] سماه نساء قومة ( عرف النار ) كلام يمان يسمون به الغدر . [3] مجموعة الوثائق السياسية ص 358 وثيقة 283 / ت . [4] بعث السبي والأسارى مع نهيك بن أوس بن خزيمة ( معجم البلدان ) . [5] قارن مع الطبري 3 / 338 - 339 وابن الأثير 2 / 49 ومعجم البلدان ( النجير ) .