وهي مسألة اختلف فيها العلماء ، فذهبت طائفة إلى ترك التفضيل بين أسماء الله تعالى ، وقالوا : لا يجوز أن يكون اسم من أسمائه أعظم من الاسم الآخر ، وقالوا : إذا أمر في خبر ، أو أثر ذكر الاسم الأعظم ، فمعناه : العظيم ؛ كما قالوا : إني لأوجل أي : وجلاً ، وكما قال بعضهم في أكبر من قولك : الله أكبر : إن أكبر بمعنى كبير ، وإن لم يكن قول سيبويه ، وذكروا أن أهون بمعنى : هين من قوله عز وجل : « وهو أهْوَنُ عليه » الروم وأكثروا الاستشهاد على هذا ونسب أبو الحسن بن بطال هذا القول إلى جماعة منهم : ابن أبي زيد ، والقابسي وغيرهما ، ومما احتجوا به أيضاً : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليحرم العلم بهذا الاسم ، وقد علمه من هو دونه من ليس بنبي ؛ ولم يكن ليدعو حين اجتهد في الدعاء لأمته ألا يجعل بأسهم بينهم ، وهو رؤوف بهم ، عزيز عليه عنتهم إلا بالاسم الأعظم ، ليستجاب له فيه ، فلما منع ذلك علمنا أنه ليس اسم من أسماء الله إلا وهو كسائر الأسماء في الحكم والفضيلة ، يستجيب الله إذا دعي ببعضها إن شاء ، ويمنع إذا شاء ، وقال الله سبحانه : « قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أو ادْعُوا الرحمنَ أيّاً مَّا تدعوا فَلَهُ الأسماءُ الحسْنَى » الإسراء ، وظاهر هذا الكلام : التسوية بين أسمائه الحسنى ، وكذلك ذهب هؤلاء وغيرهم من العلماء إلى أنه ليس شيء من كلام الله تعالى أفضل من شيء ، لأنه كلام واحد من رب واحد ، فيستحيل التفاضل فيه . قال الشيخ الفقيه الحافظ أبو القاسم عفا الله عنه : وجه استفتاح الكلام معهم أن يقال : هل يستحيل هذا عقلاً ، أم يستحيل شرعاً ؟ ولا يستحيل عقلاً أن يفضل الله سبحانه عملاً من البر على عمل ، وكلمة من الذكر على كلمة ، فإن التفضيل راجع إلى زيادة الثواب ونقصانه ، وقد فضلت الفرائض على النوافل ، بإجماع ، وفضلت الصلاة والجهاد على كثير من الأعمال والدعاء ، والذكر عمل من الأعمال ، فلا يبعد أن يكون بعضه أقرب إلى الإجابة من بعض ، وأجزل ثواباً في الآخر من بعض ، والأسماء عبارة عن المسمى ، وهي من كلام الله سبحانه القديم ، ولا نقول في كلام الله : هو هو ، ولا هو غيره ، كذلك لا نقول في أسمائه التي تضمنها كلامه : إنها هو ، ولا هي غيره فإن تكلمنا نحن بها بألسنتنا المخلوقة وألفاظنا المحدثة ، فكلامنا عمل من أعمالنا ، والله سبحانه وتعالى يقول : « واللَّهُ خلقكُمْ وما تعملون » الصافات ، وقبحاً للمعتزلة ؛ فإنهم زعموا أن كلامه مخلوق فأسماؤه على أصلهم الفاسد محدثة غير المسمى بها ، وسووا بين كلام الخالق ، وكلام المخلوق في الغيرية والحدوث ، وإذا ثبت هذا ، وصح جواز التفضيل بين الأسماء إذا دعونا بها ، فكذلك القول في تفضيل السور ، والآي بعضها على بعض ، فإن ذلك راجع إلى التلاوة ، التي هي عملنا ، لا إلى المتلو الذي هو كلام ربنا ، وصفة من صفاته القديمة ،