فجاءه جبريل . فذكرت في هذا الحديث أن الرؤيا كانت قبل نزول جبريل على النبي عليه السلام بالقرآن ، وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئةً وتيسيراً عليه ورفقاً به ، لأن أمر النبوءة عظيم ، وعبؤها ثقيل ، والبشر ضعيف ، وسيأتي في حديث الإسراء من مقالة العلماء ما يؤكد هذا ويصححه ، وقد ثبت بالطرق الصحاح عن عامر الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل به إسرافيل ، فكان يتراءى له ثلاث سنين ، ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء ثم ولك به جبريل فجاءه بالقرآن والوحي ، فعلى هذا كان نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم في أحوال مختلفة ، فمنها : النوم كما في حديث ابن إسحاق ، وما قالت عائشة أيضاً : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرؤيا الصادقة وقد قال إبراهيم عليه السلام : « إني أرى في المنام أني أذْبَحُك فانْظُرْ ماذَا تَرى » فقال له ابنه : « افْعَلْ ما تُؤْمَر » الصافات ، فدل على أن الوحي كان يأتيهم في المنام ، كما يأتيهم في اليقظة . ومنها : أن ينفث في روعه الكلام نفثاً ، كما قال عليه السلام : إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت ، حتى تستكمل أجلها ورزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب وقال مجاهد ، وأكثر المفسرين في قوله سبحانه : « وما كان لبشَرٍ أن يُكلِّمَهُ اللّه إلا وَحْياً » الشورى . قال هو أن ينفث في روعه بالوحي . ومنها : أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده عليه ، وقيل : إن ذلك ليستجمع قلبه عند تلك الصلصلة ، فيكون أوعى لما يسمع ، وألقن لما يلقى . ومنها : أن يتمثل له الملك رجلاً ، فقد كان يأتيه في صورة دحية بن خليفة ، ويروى أن دحية إذا قدم المدينة لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه لفرط جماله . وقال ابن سلام في قوله تعالى : « وإذا رأوا تجارةً أو لَهْواً » الجمعة . قال : كان اللهو نظرهم إلى وجه دحية لجماله .