وفي بعض المسندات زيادة أن هذا الحجر الذي كان يسلم عليه هو الحجر الأسود ، وهذا التسليم : الأظهر فيه أن يكون حقيقةً ، وأن يكون الله أنطقه إنطاقاً كما خلق الحنين في الجذع ، ولكن ليس من شرط الكلام الذي هو صوت وحرف : الحياة والعلم والإرادة ، لأنه صوت كسائر الأصوات ، والصوت : عرض في قول الأكثرين ، ولم يخالف فيه إلا النظام ، فإنه زعم أنه جسم ، وجعله الأشعري اصطكاكاً في الجواهر بعضها لبعض ، وقال أبو بكر بن الطيب : ليس الصوت نفس الاصطكاك ، ولكنه معنىً زائد عليه ، وللاحتجاج على القولين ولهما موضع غير هذا ، ولو قدرت الكلام صفةً قائمة بنفس الحجر والشجر ، والصوت عبارة عنه ، لم يكن بد من اشتراط الحياة والعلم مع الكلام ، والله أعلم : أي ذلك كان ، أكان كلاماً مقروناً بحياة وعلم ، فيكون الحجر به مؤمناً ، أو كان صوتاً مجرداً غير مقترن بحياة ؟ وفي كلا الوجهين هو علم من أعلام النبوءة ، وأما حنين الجذع فقد سمي حنيناً ، وحقيقة الحنين يقتضي شرط الحياة ، وقد يحتمل تسليم الحجارة أن يكون مضافاً في الحقيقة إلى ملائكة يسكنون تلك الأماكن ، يعمرونها ، فيكون مجازاً من قوله تعالى : « واسْأَلِ القَريَة » والأول أظهر ، وإن كانت كل صورة من هذه الصور التي ذكرناها فيها علم على نبوته عليه السلام غير أنه لا يسمى معجزة في اصطلاح المتكلمين إلا ما تحدى به الخلق ، فعجزوا عن معارضته . التفعل ومدلوله : وذكر حديث عبيد بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجاور بغار حراء ويتحنث فيه ، قال : والتحنث : التبرز . تفعل من البر ، وتفعل : يقتضي الدخول في الفعل ، وهو الأكثر فيها مثل : تفقه وتعبد وتنسك وقد جاءت في ألفاظ يسيرة تعطي الخروج عن الشيء واطراحه ، كالتأثم والتحرج . والتحنث بالثاء المثلثة ، لأنه من الحنث ، وهو الحمل الثقيل ، وكذلك التقذر ، إنما هو تباعد عن القذر ، وأما التحنف بالفاء ، فهو من باب التبرر ؛ لأنه من الحنيفية دين إبراهيم ، وإن كان الفاء مبدلةً من الثاء ، فهو من باب التقذر والتأثم ، وهو قول ابن هشام ، واحتج بجدف وجدث .