الحجر فيها ، وذلك لحديث حدثته به خالته عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ألم تري قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم حين عجزت بهم النفقة ، ثم قال عليه السلام : لولا حدثان عهد قومك بالجاهلية لهدمتها ، وجعلت لها خلفاً وألصقت بابها الأرض ، وأدخلت فيها الحجر أو كما قال عليه السلام قال ابن الزبير : فليس بنا اليوم عز عن النفقة ، فبناها على مقتضى حديث عائشة ، فلما قام عبد الملك بن مروان ، قال : لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء ، فهدمها وبناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من بنيانها جاءه الحارث بن أبي ربيعة المعروف بالقباع ، وهو أخو عمر بن أبي ربيعة الشاعر ، ومعه رجل آخر ، فحدثاه عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث المتقدم ، فندم ، وجعل ينكت في الأرض بمخصرة في يده ، ويقول : وددت أن تركت أبا خبيب ، وما تحمل من ذلك ، فهذه المرة الخامسة . فلما قام أبو جعفر المنصور ، وأراد أن يبنيها على ما بناها ابن الزبير ، وشاور في ذلك ، فقال مالك بن أنس : أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، وأن تجعل هذا البيت ملعبةً للملوك بعدك ، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره فتذهب هيبته من قلوب الناس ، فصرفه عن رأيه فيه ، وقد قيل : إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين ؛ لأن السيل كان قد صدع حائطه ، ولم يكن ذلك بنياناً على نحو ما قدمنا ، إنما كان إصلاحاً لما وهى منه ، وجداراً لما بني بينه وبين السيل ، بناه عامر الجارود ، وقد تقدم هذا الخبر . وكانت الكعبة قبل أن يبنيها شيث عليه السلام خيمةً من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم ، ويأنس إليها ؛ لأنها أنزلت إليه من الجنة ، وكان قد حج إلى موضعها من الهند ، وقد قيل : إن آدم هو أول من بناها ، ذكره ابن إسحاق في غر رواية البكائي . وفي الخبر أن موضعها كان غثاءةً على الماء قبل أن يخلق الله السماوات والأرض ، فلما بدأ الله بخلق الأشياء خلق التربة قبل السماء ، فلما خلق السماء ، وقضاهن سبع سماوات دحا الأرض ، أي : بسطها ، وذلك قوله سبحانه : « والأرض بعد ذلك دحاها » النازعات . وإنما دحاها من تحت مكة ؛ ولذلك سميت أم القرى ، وفي التفسير أن الله سبحانه حين قال للسموات والأرض : « ائْتيَا طَوْعً أو كَرْهاً قالتا أتينا طائعين » فصلت لم تجبه بهذه المقالة من الأرض إلا أرض الحرم ، فلذلك حرمها . وفي الحديث : أن الله حرم مكة قبل أن يخلق السماوات والأرض ، فصارت حرمتها كحرمة المؤمن ، لأن المؤمن إنما حرم دمه وعرضه وماله بطاعته لربه ، وأرض الحرم لما قالت : أتينا طائعين ، حرم صيدها وشجرها وخلاها إلا الإذخر ، فلا حرمة إلا لذي طاعة ، جعلنا الله من أطاعه . الملائكة أول من بنوا البيت وسبب ذلك : وروي في سبب بنيان البيت خبر آخر ، وليس بمعارض لما تقدم ، وذلك أن الله سبحانه لما قال لملائكته : « إني جاعلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا أتَجعل فيها مَن يُفْسِد فيها » البقرة . خافوا أن يكون الله عاتباً عليهم لاعتراضهم في علمه ، فطافوا بالعرش سبعاً ، يسترضون ربهم ، ويتضرعون