يريدون : النقاء من العيوب ، فقد طابق طست الذهب ما أريد بالنبي صلى الله عليه وسلم من نقاء قلبه . ومن أوصاف الذهب أيضاً المطابقة لهذا المقام ثقله ورسوبه ، فإنه يجعل في الزيبق الذي هو أثقل الأشياء ، فيرسب ، والله تعالى يقول : « إنَّا سنُلْقي عليك قَوْلاً ثَقِيلاً » المزمل . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما ثقلت موازين المحقين يوم القيامة ، لاتباعهم الحق ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً ، وقال في أهل الباطل بعكس هذا . وقد روي : أنه أنزل عليه الوحي ، وهو على ناقته ، فثقف عليها حتى ساخت قوائمها في الأرض ، فقد تطابقت الصفة المعقولة والصفة المحسوسة . ومن أوصاف الذهب أيضاً أنه لا تأكله النار ، وكذلك القرآن : لا تأكل النار يوم القيامة قلباً وعاه ، ولا بدناً عمل به ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لو كان القرآن في إهاب ، ثم طرح في النار ما احترق ومن أوصاف الذهب المناسبة لأوصاف القرآن والوحي : أن الأرض لا تبليه ، وأن الثرى لا يذريه ، وكذلك القرآن لا يخلف على كثرة الرد ، ولا يستطاع تغييره ولا تبديله ، ومن أوصافه أيضاً : نفاسته وعزته عند الناس ، وكذلك الحق والقرآن عزيز ، قال سبحانه : « وإنه لَكِتَابٌ عَزِيز » فصلت . فهذا إذا نظرت إلى أوصافه ولفظه ، وإذا نظرت إلى ذاته وظاهره ، فإنه زخرف الدنيا وزينتها ، وقد فتح بالقرآن والوحي على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته خزائن الملوك ، وتصير إلى أيديهم ذهبها وفضتها ، وجميع زخرفها وزينتها ، ثم وعدوا باتباع القرآن والوحي قصور الذهب والفضة في الجنة . قال صلى الله عليه وسلم : جنتان من ذهب ، آنيتهما وما فيهما من ذهب ، وفي التنزيل : « يُطاف عليهم بِصِحَافٍ من ذَهَبٍ » الزخرف « وَيُحَلّوُنَ فيها من أسَاوِرَ مِن ذهب ولُؤلُؤاً وَلِباسُهم فيها حرير » الحج وفاطر فكان ذلك الذهب يشعر بالذهب الذي يصير إليه من اتبع الحق ، والقرآن وأوصافه تشعر بأوصاف الحق ، والقرآن ولفظه يشعر بإذهاب الرجس ، كما تقدم ، فهذه حكم بالغة لمن تأمل ، واعتبار صحيح لمن تدبر ، والحمد لله . وفي ذكر الطست وحروف اسمه حكمة تنظر إلى قوله تعالى : « طَس تلك آياتُ القرآنِ وكتابٍ مبين » النمل ومما يسأل عنه : هل خص هو صلى الله عليه وسلم بغسل قلبه في الطست ، أم فعل ذلك بغيره من الأنبياء قبله ، ففي خبر التابوت والسكينة ، أنه كان في الطست التي غسلت فيها قلوب الأنبياء عليهم السلام . ذكره الطبري ، وقد انتزع بعض الفقهاء من حديث الطست حيث جعل محلاً للإيمان والحكمة جواز تحلية المصحف بالذهب ، وهو فقه حسن ، ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه هذا الذي قدمناه ، متى علم أنه نبي . الحكمة في ختم النبوة : والحكمة في خاتم النبوة على جهة الاعتبار أنه لما ملئ قلبه حكمةً ويقيناً ، ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكاً أو دراً ، وأما وضعه عند نغص كتفه ، فلأنه معصوم من وسوسة الشيطان ، وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم . روى ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز أن رجلاً سأل ربه أن يريه موضع الشيطان منه ، فأري جسداً ممهى يرى داخله من خارجه ، والشيطان في صورة ضفدع عند نغص كتفه حذاء قلبه ، له خرطوم ، كخرطوم البعوضة ، وقد أدخله إلى قلبه يوسوس ، فإذا ذكر الله تعالى العبد خنس .