فلما كان في بعض الليل أتى قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) يودعه ، وصلى ما شاء الله أن يصلي ، وغلبته عيناه فرأى كأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ملائكة محتوشين به ، فاحتضنه وقبل بين عينيه وقال له : يا بني العجل العجل إلى جدك وأبيك وأمك وأخيك . فانتبه ( عليه السلام ) فأخبر به أهل بيته ، فما رأى أكثر باكيا وباكية من ليلته . ثم ودعهم وخرج فيمن خرج معه من ولده وأخوته وبني أخوته وبني عمه نحو مكة فقدمها وأقام بها خمسة أشهر أو أربعة ، فورد عليه نحو ثمانمائة كتاب من أهل العراقين ببيعة أربعة وعشرين ألفا . فبعث مسلم بن عقيل رحمة الله عليه ، وكان شجاعا قويا ، وكان يأخذ الرجل فيرمي به فوق البيت . فخرج مسلم حتى أتى المدينة فاكترى أعرابيين دليلين ، فأخذا به البرية ، فمات أحدهما عطشا ، وكتب إلى الحسين ( عليه السلام ) يستأذنه في الرجوع ، فأجابه أن امض لما أمرتك . فخرج حتى قدم الكوفة ، ونزل دار المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وبايعه من أهلها ثمانية عشر ألفا سوى اهل البصرة فكتب مسلم ( رضي الله عنه ) إلى الحسين ( عليه السلام ) يستقدمه . فدخل عبد الله [1] بن مسلم بن أبي ربيعة الحضرمي حليف بني أمية على النعمان بن بشير وكان والي الكوفة فأخبره خبره وقال له : لا يصلح [ ما ترى إلا الغشم ، و ] هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين . فقال له النعمان : لئن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله . ثم خرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية يخبره ، ثم كتب اليه عمارة بن عقبة بمثل كتابه ، ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص بمثل ذلك . فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرجون مولى معاوية فقال له : ما رأيك ؟ إن حسينا قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ فمن ترى أن أستعمل على الكوفة ؟ وكان يزيد عاتبا على عبيد الله