يمينا صدقنا الله فينا ولم نكن * لنحلف بطلا بالعتيق المحجب نفارقه حتى نصرع حوله * وما بال تكذيب النبي المقرب [1] وكل هذه الأشعار مما تدل على إيمانه ، ولو اعتبر كل ما له من نظم أو نثر قاله منذ ولد محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لوجده دالا على إسلامه . وبعثت قريش إلى أبي طالب : إدفع إلينا محمدا نقتله ونملكك علينا . فأنشأ أبو طالب القصيدة اللامية التي أولها : لما رأيت القوم لا ود فيهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل وقد صارحونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا أمر العدو المزايل [2] وفي هذه يقول : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل [3] وهي قصيدة طويلة ، فلما سمعوا هذه القصيدة أيسوا منه . ولما رأت قريش أن أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعلو قالوا : لا نرى محمدا يزداد إلا كبرا وتكبرا وإن هو إلا ساحر أو مجنون ، وتوعدوه وتعاقدوا لئن مات أبو طالب لتجتمعن قبائل قريش كلها على قتله . وبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال : ابن أخي نبي كما يقول ، أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا أن محمدا نبي صادق وأمين ناطق ، وأن شأنه أعظم شأن ، ومكانه من ربه أعلى مكان ، فأجيبوا دعوته ، واجتمعوا على نصرته ، وراموا عدوه من وراء حوزته ، فإنه الشرف الباقي لكم على الدهر . وأنشأ يقول : أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا وحمزة الأسد المخشي صولته * وجعفرا أن يذودا دونه الناسا [4] وهاشما كلها أوصي بنصرته * أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا [5]
[1] المناقب لابن شهرآشوب : ج 1 ص 64 . [2] السيرة النبوية لابن هشام : ج 1 ص 291 . [3] شرح ابن أبي الحديد : ج 3 ص 320 . [4] في المصدر : تذودوا دونه الباسا . [5] المرس : المجرب في الحروب ، جمع أمراس .