الجنّة ونجّني . . . ) الآية ، فأوحى الله إليها أن ارفعي رأسك ، ففعلت فرأت البيت في الجنّة من درّ ، فضحكت فقال فرعون : انظروا إلى الجنون الذي بها ، تضحك وهي في العذاب [1] . فماتت آسية وكانت وفاتها سبباً لهلاك ألف ألف وستمائة ألف من جنود فرعون ، هلكوا بأجمعهم . ثمّ قال الملائكة مرّة أخرى : عجباً من آسية ، تطلب « بيتاً » من الله ولا تطلب شيئاً آخر وهي في ساحة المجد الكبريائيّ الربانيّ ، تطلب بيتاً فقط أجراً لصبرها ؟ ! فقال الله تعالى : إنّها طلبت شيئاً عظيماً ، لأنّها قالت ( ربّ ابن لي عندك بيتاً ) فهي تطلب جواري ، وقد بنيته لها . قال بعض أهل الفطنة وأرباب الذوق : لماذا طلبت آسية « بيتاً » ولم تطلب « داراً » ؟ قالوا : لأنّ البيت محلّ لخلوة الحبيب يجيبه ، البيت موضع أمين لعرض الحال وكشف الأسرار ، وهو أولى من الدار لرعايته مع ملاحظة الأدب والحشمة والحياء والحجاب ، ثمّ إنّ آسية أرادت الجوار أولاً ثمّ الدار ، وكان لها عند ربّها قدم صدق وكفى . وقِدم صدقها وثبات قدمها وسابقتها الحسنى في الإيمان بالله وبكليم الله خير شاهد على حالها الذي أدّى بها إلى ورود الساحة القدسيّة ، والقعود على بساط العزّة الإلهيّة ، ومجاورة الحضرة الرحمانيّة . والحقّ أنّ هذه المرأة كانت فريدة في إيمانها الراسخ ، وإسلامها القويم ، وثباتها في الدين ، وصبرها في البلاد ، ومحبتها لحبيب الله ، لذا سنعرض في هذا المقام
[1] قصص الأنبياء للثعلبيّ : 188 ، البحار 13 / 164 ح 6 باب 5 عن العرائس .