وقال المحقّق الوحيد والمحدّث الفريد الفيض الكاشانيّ عليه الرحمة : « كما أنّ لبَدَن الإنسان غذاء من الحبوب والفواكه ، كذلك لروحه غذاء من العلوم والمعارف ، وكما أنّ لغذاء بدنه أشجاراً تثمرها ، فكذلك لروحه أشجار تثمرها ، ولكلّ صنف منه ما يليق به من الغذاء ; فإنّ من الإنسان من يغلب فيه حكم البدن على حكم الروح ، ومنه من هو بالعكس ، ولهم في ذلك درجات يتفاضل بها بعضهم على بعض ، ولأهل الدرجة العليا كلّ ما لأهل الدرجة السفلى وزيادة ، ولكلّ فاكهة في العالم الجسمانيّ مثال في العالم الروحانيّ مناسب لها ، ولهذا فُسّرت الشجرة تارة بشجرة الفواكه ، وأخرى بشجرة العلوم ، وكان شجرة علم محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إشارة إلى المحبوبيّة الكاملة المثمرة لجميع الكمالات الإنسانيّة المقتضية للتوحيد المحمّديّ الذي هو الغناء في الله والبقاء بالله ، المشار إليه بقوله ( عليه السلام ) « لي مع الله وقت لا يسعني فيه مَلَكٌ مقرّب ولا نبيٌّ مرسل » فإنّ فيها من ثمار المعارف كلّها ، وشجرة الكافور إشارة إلى برد اليقين الموجب للطمأنينة الكاملة المستلزمة للخلق العظيم الذي كان نبيّنا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودونه لأهل بيته ( عليهم السلام ) ، فلا منافاة بين الروايات ، ولا بينها وبين ما قاله أهل التأويل إنّها شجرة الهوى والطبيعة ، لأنّ قربها إنّما يكون بالهوى والشهوة الطبيعيّة ، وهذا معنى ما ورد إنّها شجرة الحسد ، فإنّ الحسد إنّما ينشأ منها » [1] . وفي بصائر الدرجات رواية أرويها هنا تأكيداً لهذا التقرير : عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر الباقر ( عليه السلام ) يقول : نزل جبرئيل ( عليه السلام ) على محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) برمّانتين من الجنّة ، فلقيه عليّ ( عليه السلام ) فقال له : ما هاتان الرمانتان في
[1] تفسير الصافي 1 / 117 ذيل الآية 35 ( من سورة البقرة ) .