الجنّة - بذاك العرق والزغب . وليس في رجال الأبرار ولا نساء العالمين الأطهار من فاز بمثل هذا الفخر والمنزلة ، وليس من النطف الزكيّة للأنبياء والأولياء نطفة واحدة كان جبرئيل وسيطاً في إقرارها في مستقرّها . وهذا دليل على حرمتها وشرفها الذاتيّ ، وهو إكرام وإعظام لسيّد الأنام عليه الصلاة والسلام . أضف إلى ذلك أنّ عرق جبرئيل كان قوّة لذاك الروح المجسّم والجسم المجرّد للإقبال على الطاعات والاشتغال بالعبادات عوناً على القيام بوظائف العبوديّة . فهذه القوالب النوارنيّة الثلاث ، والصور الجسمانيّة جاءت من الذروة العليا والمقصد الأسنى ، ومزجوا بها العرق من كلّ بدن لإخفاء حالة من الحالات ، وصبّوا الغذاء في قالب من القوالب تصويراً لنور من الأنوار . وأهل الحق إذا أرادوا التعبير بتعبير واضح يستسيغه سمع هذا البدن ، عبّروا عنه بالعرق ، وإذا أرادوا إسماع الروح ، عبّروا عنه بالفيض واللطف أو البركة والرحمة ، لأنّ الأولياء الكاملين يعربون عن معلوماتهم على حسب الإدراكات المختلفة للسامعين « إنّا أمرنا أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم لا عقولنا » [1] . ومن هنا يمكن أن يقال : إنّ مدركات الأذن الباطنيّة مسموعات مستورة سرّيّة على آذان الأبدان الحسيّة ، ولمّا كان أهل إدراك المعاني والأسرار قليلون ، قلّ الحديث من هذا النوع وتوجّه الحديث للسّامعة الحسيّة . ولي حديث آخر يتطلّب أذناً خاصّة ، حيث أنّ عالم الخلق مادّيّ وتدريجيّ الوجود ، وثمراته تدريجيّة الحصول ، وقد اقتضت الحكمة الإلهيّة البالغة في الإنماء والإنشاء منذ يوم الأزل أن يكون لكلّ موجود أسباباً ووسائط مقدّرة تترتّب