الثانية : وهي الفترة التي عاش فيها نبيّنا ( صلى الله عليه وآله ) ، فإنّ كتب الفريقين قد نقلت لنا الكثير من الأخبار التي تدلّ على أنّ النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أقام مراسيم العزاء والندبة على ولده سيّد الشهداء ، وبشكل متواصل ، وفي أزمنة مختلفة ، وأماكن متفرّقة ، وقد جمع العلاّمة الأميني ( أعلى الله مقامه ) المجالس التي عقدها النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في كتابه المسمّى ( سيرتنا وسنّتنا وسيرة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وسنّته ) ، وقد أحصاها - من مصادر العامّة ، ومع حضور أصحاب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) من المهاجرين والأنصار - فكانت اثنتي عشر مجلساً ، وكان أوّلها مجلس عقد في يوم ولادة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فرثاه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بطريقة صوّر فيها الحدث بكلّ تفاصيله ، ممّا أثارت عواطف الأصحاب ، فلم يُرَ منهم إلاّ الباكي والنادب ، وقد ضجّ المسجد بالبكاء ، فكان يوماً عظيماً لم يعلم بمثله من قبل ، وكيف لا يكون كذلك والنادب هو سيّد البشر !
الرثاء الحسيني في البيت النبويّ لم يكتفِ النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) بإقامة مجالس العزاء على ولده الحسين ( عليه السلام ) في المسجد النبوي فقط ، بل إنّه ( صلى الله عليه وآله ) ارتأى أن يقيمها أيضاً في بيوت أزواجه ، ليكنّ النادبات والنائحات على ولده الشهيد في طفّ كربلاء ، وقد تكرّر هذا الأمر من قِبله ( صلى الله عليه وآله ) مرّات عديدة ، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدلّ على أمرين مهمّين :
الأوّل : إنّ إقامة مثل هذه المجالس تأكيداً لما قاله النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) مراراً وتكراراً في حقّ الحسين ( عليه السلام ) : « حسين منّي وأنا من حسين » [1] ، فقد حاول النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أن يعيش المأساة والشهادة مع ولده الحسين ( عليه السلام ) بكلّ تفاصيلها ، وقبل استشهاده ( عليه السلام ) ; لأنّ الحسين ( عليه السلام ) كان يمثّل الامتداد الحقيقي للرسالة المحمّديّة التي جاءت لإنقاذ الناس من الغواية ،

[1] كامل الزيارات : 117 ، الباب 14 ، الحديث 127 / 12 . بحار الأنوار : 45 / 314 ، الباب 46 ، الحديث 14 . مجمع الزوائد : 9 / 181 ، باب فيما اشترك فيه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) .

104