إلا أنه محجوب عن مشاهدتها ، فإذا رفع هذا الحجاب ، وانكشف الغطاء ، ووضع في قبره عاينها وقد تمثّلت بصورها وأشكالها الموافقة لمعانيها ، وأول ما يقع بصر أحدهم على صورة عمله المطابقة إياه يرى بعينه العقارب والحيّات قد أحدقت به ، وإنّما هي صفاته الحاضرة الآن قد انكشفت له صورتها فيقول : يا ليت بيني وبينكَ بُعدَ المشرقين فبئس القرين 43 : 38 [1] . ويريد أن يهرب عنها وأنّى يتصور لأحد أن يهرب عن نفسه ولازم نفسه . وعلى هذا القياس حكم الأعمال الحسنة الواقعة من أهل السعادة الأخرويّة المتصورة في القيامة بصورة ملذّة حسان من حور وغلمان وجنّة ورضوان ، فإن حقيقة تلك الصور هي موجودة معه مختفية في باطنه ، وإنما تصير حاضرة مشهودة له يوم القيمة بواسطة رفع الحجاب لقوله تعالى : فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون 32 : 17 [2] . أقول : هذا خلاصة ما ذكره القوم في معنى الآيات المتقدمات ، ولكن لا يخفى أنه لا يوجب انحصار الملذّات والمؤلمات في النفوس دون الخارج ، فإنه خلاف ضرورة ظاهر القرآن بل الحق أنّ الملذّ والمؤلم يوم القيامة روحي كما ذكر ، وخارجي كما هو صريح الآيات الدالة عليه كالأحاديث أيضا قال تعالى : فاتّقوا النار الَّتي وقودها النّاس والحجارة أُعدّت للكافرين 2 : 24 [3] فقوله تعالى : والحجارة ظاهر في العذاب الخارجي . وفي النهج قال عليه السّلام : " فكيف إذا كان بين طابقين من نار ، ضجيع حجر وقرين شيطان " [4] فقوله : ضجيع حجر يومئ إلى العذاب الخارجي ، وقوله عليه السّلام : وقرين