الثواب والعقاب : اعلم أنّ المستفاد من قوله تعالى : هل تُجزون إلا ما كنتم تعملون 27 : 90 [1] وقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأنّ سعيه سوف يُرى 53 : 39 - 40 [2] وقوله تعالى : يوم تجدُ كلّ نفس ما عملت من خير محضرا 3 : 30 [3] وغيرها هو : أنّ الثواب والعقاب في دار الآخرة إنما يكونان بنفس الأعمال والأخلاق الحسنة أو السيّئة لا بشيء آخر يترتب عليها فالملذّ والمؤلم والنعمة والنقمة والجنة والنار في دار القرار هي نفس صور الأعمال والآثار كما دلّ عليه قوله صلَّى الله عليه وآله : " إنّما هي أعمالكم ردّت عليكم " وقوله عليه السّلام : " إنّ الجنة قيعان وإنّ غراسها سبحان الله " ويشير إليه قوله تعالى : يستعجلونك بالعذاب وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين 29 : 54 [4] . فالعقوبات الإلهية الواصلة إلى المجرمين كما أنها ليست من باب الانتقام الواقع عليهم من منتقم منفصل مباين يوقع الآلام والشدائد عليهم ، ويوصل المكاره والمحن إليهم ، فكذلك ليست الآلام والمكاره خارجة عن ذاتهم وصفاتهم فيترتّب عليها ، بل الأعمال القبيحة الواقعة منهم في الدنيا بواسطة ما في ضمائرهم ونيّاتهم صارت ملكة راسخة في نفوسهم ، وانحرفت بسببها فطرتهم الأصليّة ، توجب هذه الملكات الرذيلة الراسخة في نفوسهم تصورات باطلة ، وأفكارا مؤلمة موحشة موجودة بوجود أخروي يناسبها فتطلع على أفئدتهم ما كان مستكنّا فيها ، ولو تيسّر للشقي الفاجر أن يشاهد باطنه في الدنيا بنور البصيرة ليراه مشحونا بأصناف السباع والشياطين وأنواع الوحوش والهوام ، وقد مثّلت هذه لغضبه وشهوته وحقده وحسده وعجبه ورياه ومكره وحيلته ، ثم هي التي لا تزال تفترسه وتنهشه