أمير المؤمنين عليه السّلام : " أعدى عدو للمرء غضبه وشهوته ، فمن ملكهما عظمت درجته وبلغ غايته " فقوله عليه السّلام فمن ملكهما هو أن لا ينفعل بهما ولا يطاوعهما بل يستعملهما على هيئة الاستعلاء عليها التي هي معنى ملكهما كما لا يخفى . الأمر الثالث : في بيان كيفية تحصيل حال التوسط في القوى الثلاث فنقول : أمّا قوة العلم أي استعمال الحواسّ الظاهرة الخمسة والباطنة في أمور الدنيا غير العاقلة النظرية فهي عبارة عن توسطها واعتدالها ويسمّى بالحكمة قال تعالى : ومن يؤتَ الحكمة فقد أُوتي خيرا كثيرا 2 : 269 [1] وهي أي الحكمة معنى قوة العلم المتوسطة في العقل العملي ، وهي غير العلم العقلي بحقائق الأشياء بالقوة النظرية ، فإنها كلَّما كانت أوفر كانت ، أفضل وهذا بخلاف قوة العلم في العقل العملي فإن إفراط هذه القوّة يسمى بالجربزة وهي المكر والخديعة ، وتفريطها هي البلاهة والسفاهة وكلا الطرفين مذمومان والممدوح منها هي الحكمة وتفصيلها موكول إلى محلَّه من كتب الأخلاق . وأما قوّة الغضب : فتوسطها واعتدالها الشجاعة وهي فضيلة كالجود ، وكلا جانبيها التهور من طرف الإفراط ، والجبن من طرف التفريط رذيلتان كما أن طرفي الجود كالبخل والإسراف مذمومان لقوله تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط 17 : 29 [2] وقوله تعالى : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما 25 : 67 [3] . وأما قوّة الشهوة : فتوسّطها واعتدالها هو العفّة ، وطرفاها الشره من طرف الإفراط ، والخمود من طرف التفريط رذيلتان ، ثمّ إنه من تركيب هذه القوى الثلاث ، وامتزاج أوساطها الثلاثة تحصل قوة أخرى لها توسط هي الفضيلة المعبر