المشاعر الخمس على الوجه المذكور ، وبفقدان بعضها يفقد علما وكمالا ، ولذا قيل : من فقد حسّا فقد علما . تتمة : ثمّ اعلم : أنّ البدن جسم مركب من عناصر متضادة كما ذكرت في محلَّه ، فللبدن بحسب كلّ من تلك العناصر المتضادة أضداد يجب الاحتراز منها في مدة بقائها ، ليتمكن من الكمال والاستكمال ، بيانه : أنه أي البدن في أول التكون قليل المقدار صغير الجسم لكون كلّ بدن حاصلا من مثله في النوع بفضلة تحصل منه ، وفضلة الشيء لا يمكن أن تساويه بل هو أقلّ وأصغر ، فلهذا الوجه ولوجوه أخر مذكورة في مقامه لا بدّ من أن يكون في أول الحداثة قليل المقدار غير تامّ الخلقة ، وتكون تماميته وترقيه في الجسم بورود الجسم الشبيه به قليلا قليلا في مدة حياته وهو الغذاء ، وطلبه للغذاء إنما يكون بالشهوة كما لا يخفى ، والشهوة لا بدّ لها من إدراك سابق يدرك الغذاء . لأن كلّ جسم لا يصلح للتغذي إذ ربما يكون سمّا قاتلا أو مضرّا ، فيحتاج الإنسان حينئذ إلى قوة ما يدرك بها المصلح عن المفسد في الأجسام الغذائية ، ولا بدّ من أن يكون مدركا بإدراك جزئي من الحواس الظاهرة ، ولا يكفيه الإدراك الكلَّي ، لأن ذلك الإدراك لا يعيّن المصداق المصلح ولا يميزه من المفسد ، بل لا بدّ من الإدراك الجزئي الظاهري لأجل التمييز الخارجي ، ولا بدّ أن يكون مدركا بإدراك جزئي من الحواس الباطنة لأجل الحفظ والذكر ، فإنه لولا دركه بالقوة الحافظة والذاكرة في ذهنه بالنسبة إلى بعض المصاديق دون بعض ، لاشتبه عليه التمييز في بعض المصاديق . إذ ربما لا يكون في كلّ جسم ما يشهد كونه ملائما أو منافيا في كلّ وقت ، فلا بدّ