الاضمحلال في المعروف يذهلها عن كلّ شيء حتى عن ذاتها وعن عرفانها لمبدئها ، فاليقين الأول أي الصور الحاصلة بنحو البرهان الدائم اليقيني هو العلم أي علم اليقين ، والثاني أي مشاهدتها فائضة من الحق الأول هو العين أي عين اليقين ، والثالث أي الاتصال بها والاستغراق في شهود مبدئها هو الحق أي حق اليقين ، فهذا هو كمال النفس بحسب قوتها النظرية . ثم إنّه لا شبهة في أنه لا يحصل هذا الكمال إلا بسبق معرفة الحقائق والعلم بالمعقولات ، ولا شبهة أيضا في أنّ كتاب الله تعالى مشتمل على كلَّها كما ستأتي الإشارة إليه ، ولا شك أيضا في أنّ حصول المعارف والعلوم متوقف على وساطة الرسول ، ووساطته إنما تحصل بإنزال القرآن ، فقوله تعالى : وأنزلنا معهم الكتاب 57 : 25 [1] إشارة إلى ما تستكمل به القوة النظرية ، ولا شك أيضا في أن حصولها وتحصيلها من القرآن إنما هو ببيان النبي صلَّى الله عليه وآله والوصي عليه السّلام تلك المعارف لنا وبتصديقنا لهم ولقولهم ، وإنّ باتباعهم عليهم السّلام قولا وعملا وحالا وسلوكا تحصل تلك المعارف لنا ، ونتصف بها حقيقة وسيجئ قريبا كيفية المتابعة الموجبة لحصولها إن شاء الله تعالى . هذا بلحاظ كمالها بحسب القوة النظرية . وأما كمالها بحسب القوة العملية فنقول : إنّ النفس لما كانت في أول نشأتها ناقصة ضعيفة القوام بذاتها ، فلا محالة تحتاج في استكمالها بالكمال الذي قد سبق ذكره - وسيجئ توضيحه - إلى مادة بدنيّة تفيض وتستفيد بواسطة الآلة الجسمانية ، ومشاعره الإدراكية الخمسة مبادئ إدراكاتها التصورية والتصديقية من الأوليات الحاصلة من المشاركات والمبائنات بين ما يقع الإحساس بها من المحسوسات الجسمانيّة . وبعبارة أخرى : أنّ النفس لما تعلَّقت بالبدن كانت ضعيفة الذات في دركها