المقصد ، والله المستعان . فصل : في تحصيل معرفته تعالى بنحو آخر . اعلم : أنّ الطرق الموصلة إلى الحقّ تعالى ومعرفته ، تارة تتحقق بدوام الذكر وهو على أقسام بحسب الكمّ والكيف ، وبحسب الأشخاص ، وطريقه صعب جدّا ، لغموض تشخيص المانع في نفس السّالك ، ثم تشخيص الذكر والورد المختص به لإزالة مانعه ، ثم تشخيص مقدار الذكر كمّا وكيفا ، ثم تتميم العمل بلا معارض ، ثم إدامة النتيجة بلا موجب لحبطها ولذا قلّ من وصل إلى المعرفة من هذا الطريق ولم يعقه عائق ، وتفصيله موكول إلى محلَّه . وأخرى بمعرفة النّفس الَّتي تقدّم ذكرها آنفا ، وسيأتي في الشرح كلام بعض الأكابر بنحو الاختصار في كيفية تحصيل معرفة النّفس المترتّبة عليها معرفة الرّب ، وهذا الطريق كسابقه في الصعوبة وإنّ أصرّ عليها بعض الأكابر ، بل ربما ادّعى بعضهم بانحصار الطريق فيها ولكن فيه ما لا يخفى . وثالثة بالسير إليه تعالى بالمحبّة ، وسيأتي في الشّرح الإشارة إليه ، ولكن نذكر هنا هذا الطريق بنحو الإجمال وهو تلخيص ما ذكره بعض الأعاظم وحاصله أنّ أسعد الخلائق في الآخرة أقواهم حبّا لله تعالى ، وأشدّهم شوقا للقائه قال تعالى : والَّذين آمنوا أشدّ حبّا لله 2 : 165 [1] فإنّ معنى الآخرة هو القدوم على الله كما صرّح به كثير من أخبار البعث والنشر بل والآيات القرآنيّة مثل قوله تعالى : يا أيّها الإنسان إنّك كادحٌ إلى ربّك كدحا فملاقيه 84 : 6 [2] وبعد القدوم يدرك سعادة لقائه ، وما أعظم نعيم المحبّ المستهتر إذا قدم على محبوبه بعد طول شوقه ، وتمكَّن من دوام مشاهدته أبد الآباد من غير مزاحم ومكدّر ومنغّص ، ورقيب وخوف الانقطاع إلا أنّ هذا النعيم على قدر الحبّ واستيلائه وشدّته