فهنا أمران : الأول : اعلم أن لها قوة فعالة بقوّتها العلامة وبسببها ، فهو بقوّتها العلامة تفعل ، بأن تنزع رسوم المعلومات من هيولاها وتصوّرها ، كملك الموت ينزع الأرواح من الأجساد ، ويصعد بها إلى عالم الآخرة فيكون ذات جوهرها لتلك الصورة كالهيولا ، وهي فيها كالصورة وبقوتها الفعالة يخرج الصور التي في فكرها وينقشها في الهيولا الجسمانيّة كالمادة البدنيّة لها ، فيكون الجسم عند ذلك مصنوعا لها آلة في سائر أفاعيلها . الثاني : أعني قوة العلامة وهي التي تقبل النفس بها صور المعارف والمعقولات فما فوقها ويتعلَّمها ، وكلّ من تعلم علما فإن صورة المعلوم كانت أولا في نفسه بالقوة ، فإذا تعلَّمه صارت فيها بالفعل ، والتعلَّم ليس إلا سلوك الطريق من القوة إلى الفعل ، والتعليم ليس سوى الدلالة على الطريق ، والأستاذون هم الأدلَّة وتعليمهم هو الدلالة والهداية إلى الصراط المستقيم إلى المطلوب المدلول عليه . فثبت أنّ للنفس باعتبار ما يخصّها من القبول عمّا فوقها ، والفعل فيما دونها قوّتين علامة وفعّالة فبالأولى تدرك التصورات والتصديقات ، ويعتقد الحق والباطل فيما يدرك ويعقل ويسمّى بالعقل النظري ، قيل وهو من ملائكة جانب اليمين . وبالثانية يستنبط الصناعات الإنسانيّة ويعتقد القبيح والجميل فيما يترك ويفعل ويسمّى بالعقل العملي . قيل : وهو من ملائكة جانب الشمال ، وقد يقال إنه أشير إليهما في الكتاب الإلهي : وجاءت كلّ نفس معها سائق وشهيد 50 : 21 [1] وبالسائق يستعمل الفكر والرويّة في الأفعال والصنايع مختارة للخير أو ما يظنّ خيرا ، أوّلها الجربزة والبلاهة والتوسّط بينهما المسمّى بالحكمة وهي من الأخلاق ، والاشتراك لفظي بينها وبين الحكمة التي هي من العلوم الكلَّية المنقسمة إلى الحكمتين ، فإنها كلَّما