جوهر المرآة وتصقيل وجهها على وجه يقبل العكس ، وعبّر فيه عن إفاضة نور النفس عليها بالنفخ في قوله تعالى : فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي 15 : 29 [1] فالنطفة الإنسانيّة عند تمام الاستواء والاعتدال يستحق باستعدادها نفسا يدبرها ، ويفيض عليها الروح البشري من جود الجواد الحق الواهب لكل مستحق ما يستحقه ، فالتصفية فيها عبارة عن الأفاعيل والإحالات المرددة لأصل النطفة في الأطوار السالكة بها إلى صفة الاستواء والاعتدال . ولها ( أي للروح الإنساني ) نشأة أخرى وهي النشأة الروحية الإنسانيّة وهو أنه يمكن أن تعلم النشأة الثانية للروح الإنسانيّة ، فإنه عند تسوية صفات النفس وتعديل ملكاتها وأخلاقها في أوان الأربعين يستحق لفيضان الروح الإلهي الذي هو من أمر الله وكلمته ، والروح الإلهي الأمري غير الروح البشري النفساني كما ستجيء : الإشارة إليه فيما بعد . ثم إن إطلاق التسوية والنفخ والروح في كل نشأة وطور بمعنى آخر ، إلا أن النشأة متحاذية متطابقة تطابق الظاهر مع الباطن والبدن مع النفس . وكيف كان فالنفس البشري الإنساني في الحقيقة نور من أنوار الله المعنوية من الله مشرقها ومغربها إلى هذا القالب المظلم ، أي النشأة الأولى التي مرّ ذكرها آنفا وقد حدّها الحكماء حدّا بحسب الاسم بأنها كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة من جهة ما يدرك الأمور الكلَّية ويفعل الأفعال الفكريّة ولها نشأت أخرى ستعرفها فيما يأتي . الأمر الثالث : إذا عرفت حدّها المذكور فأعلم أنها جوهرة روحانيّة حيّة بذاتها ، فإذا قارنت جسما من الأجسام صيّرته مثلها كالصورة الناريّة فإنها جوهرة حارّة فإذا جاورت جسما من الأجسام صيّرته حارّا مثلها ، وظهر مما ذكر أيضا أن للنفس قوّتين علامة وعمّالة .