وتوسطت غاية التوسّط من الأطراف الممعنة في التضاد ، فاعتدلت وتشبّهت بالسبع الشداد الخالية عن التفاسد ، البعيدة عن الأضداد ، فحينئذ استحقت من واهبها الجواد لقبول فيض ، أكمل وجوهر أعلى وأشرف من هذه النفوس والصور ، فحينئذ قبلت من التأثير الإلهي ما قبله الجرم السماوي والعرش الرحماني من قوة روحانيّة مدركة للكلَّيات العقليّات بذاتها ، والجزئيّات الحسيّات بقواها وآلاتها ، وصارت متصرفة في المعاني سالكة إلى سبيل الله الحق الأكبر . وإلى هذا الاعتدال والاستعداد يشير ما رواه الفيض الكاشاني في الكلمات المكنونة قال : روي في كتاب الغرر والدرر أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن العالم العلوي ، فقال : صور عارية عن المواد ، خالية عن القوة والاستعداد ، تجلَّى لها ربّها فأشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وألقى في هويّتها مثاله ، فأظهر عنها أفعاله ، وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة إن ذكَّاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد . وفيه روي : أنّ بعض اليهود اجتاز به وهو يتكلم مع جماعة فقال له : يا بن أبي طالب لو أنّك تعلَّمت الفلسفة لكان يكون منك شأن من الشأن فقال عليه السّلام : وما تعني بالفلسفة ؟ أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه ، ومن صفا مزاجه قوى أثر النفس فيه ، ومن قوى أثر النفس فيه سما إلى ما يرتقيه ، ومن سما إلى ما يرتقيه فقد تخلق بالأخلاق النفسانيّة ، فقد صار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان ، ومن صار موجودا بما هو إنسان فقد دخل في الباب الملكي الصوري ، وليس له عن هذه الغاية مفرّ ، فقال اليهودي : الله أكبر يا بن أبي طالب لقد نطقت الفلسفة جميعها في هذه الكلمات رضي الله عنك . أقول : ولعل الحديث المعروف من أن العقل السليم في البدن السليم يشير إلى هذا الاعتدال والتسوية في المزاج ، فإن له دخلا عظيما في قوة العقل وكمال الإنسان ، هذا وقد عبّر في القرآن المجيد عن تعديل المزاج المذكور بالتسوية ، تشبّها بتسوية