غاية الصعوبة ، فلا يكاد يوجد إلا بعد التخلَّص من وساوس الشيطان الرّجيم ، وهذا لا يكون إلا بالاستقامة على طريق الحق بالعلم الصحيح ، والعمل الصالح . والمراد من العلم هو العلم الربوبي المتعلق بمعرفة ذاته وصفاته وأفعاله ، وكتبه ورسله ، وحقيقة الملائكة والشياطين وعلم القلب وأحواله ، وكيفيّة سلوك العبد من الدنيا إلى الآخرة ، ومن الخلق إلى الحقّ ، ويعلم طريق تخلَّصه عن إضلال الشياطين ، شياطين الجن والإنس ، ويهيئ نفسه بأن يستعد لقبول إلهام الملك ، بعد تشخيص الفرق بين إلهام الملك ووسوسة الشياطين فهذه هي أصل العلوم الإيمانيّة التي بها يمكن للإنسان أن يجاهد ضد أحزاب الشيطان ، وهي أصل الصراط المستقيم المدعو من الله تعالى في كلّ صلاة مرتين ، وهذا هو الدين دين التوحيد المسلوك لنبيّنا وسائر الأنبياء والأئمة الطاهرين عليهم السّلام . وسيأتي في شرح قوله عليه السّلام وصراطه ، الآيات والأحاديث المبيّنة للصراط المستقيم ، وأنه ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام . والمراد من العمل مع أنه فنون كثيرة هو سلامة القلب عن كدورة الشهوة وغشاوة الغضب ، فمرجع جميع فنون العمل إلى هذا ، ولا شيء للإنسان بعد المعرفة أنفع من سلامة القلب من الكدورات والغواشي ، قال تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم 26 : 88 - 89 [1] وهذه المرتبة أعني سلامة القلب هي الَّتي أمر الله تعالى خليله عليه السّلام بقوله إذ قال له أسلم قال أسلمت لرّب العالمين 2 : 131 [2] وإليه يشير قوله تعالى : فَمَن أسلم فأولئك تحرّوا رَشَدا 72 : 14 [3] فكلّ من سلم قلبه فقد فاز بدرجة الإسلام الحقيقي ، وهذه أيضا مما لا تتيسّر إلا بتوفيق الله ، حسبما قدّر له في الأزل أن يكون من جملة الأخيار ، آمنا من سخط الجبّار كما قال تعالى : ما كان الله