بعيد 41 : 44 [1] لأنهم يجعلون الحقّ بعيدا عن أنفسهم ، ويكتفون عن ذات الحق الأوّل ، ومشاهدة الذوات المقدسة العقلية ، وملاقات حقائق أهل الجبروت والملكوت القاطنين في طبقات الوجود بمفهومات ذهنيّة وحكايات مثاليّة . ومعلوم أنهم مع حالهم هذا ، لا يجري لهم طريق الاستدلال إلا في الذهنيّات والكلَّيات التي هي طور العقل . وأما الأمور التي هي وراء طور العقل من أحوال الآخرة وأحكام البرازخ ، فيثبت فيها ويقف من غير أن يهتدي إليها إلا باتّباع الشريعة . والحاصل أن الحقّ تعالى وجوده ليس بمفهوم الوجود ، بل هو المعنون به والمحكي عنه ، والوجود الخارجي الحقيقي غير موصوف بما يتّصف به المفهوم من الكليّة والجزئيّة والإطلاق والتقييد وغيرها ، بل إنّما نتوهمه غير معقول ولا محدود ، بل شيء مثبت موجود غير مقيد لا مبطل ولا معدود ، خارج عن الحدين حدّ التعطيل والتشبيه ، وكذا أوصافه وأسماؤه وآثاره ولها حقائق ، وكذا العقول المفارقة والنفوس الكلَّية ، وحقائق الأولياء ، وحقائق الموجودات كلَّها من أفعاله وآثاره ، فالمعرفة به تعالى وبشئونه لا يكون بطريق العقل ، إذ ليس له إلا انتزاع المفهوم في كل أمر ، وأين هذا من واقعه ، فواقعه لا يصل الإنسان إليه إلا بمتابعة الشرع الأنور ، وبالتخلق بالأخلاق الإلهية لترتفع الحجب عن القلب ، فتتّضح فيه هذه الأمور ، وسيأتي توضيحه قريبا . فظهر أن الوصول إلى المعارف والحقائق الإلهيّة لا يكون بطريق العقل ، بل لا بدّ من متابعة صاحب الشرع ، وإنما العقل هو الحجة الباطنة ، أقيم في الإنسان لقبول حجّة الظاهر وهم الرسل والأئمة عليهم السّلام ولتمييز الحق من الباطل كما لا يخفى ، والعقل كما في الخبر كالسراج وسط البيت يستضاء به ، لتتميّز الأشياء الحقة من الباطل منها فتدبّر . فصل : اعلم أن تشخيص الطريق الموصل إلى المعرفة ، وإلى مقام الوصل في