غامض المثال جدّا إلا للواصلين ، والقرآن الكريم مشتمل على الجلَّي منها ، الواقع في عالم الشهادة كذكر السماوات والكواكب والجبال والبحار والسحب والأمطار ، وسائر أسباب الحيوان والنّبات ، وهي التي ظهرت للحسّ فلو أنّ أحدا أمعن النظر في هذه الأمور التي هي أفعاله تبارك وتعالى ، وتفكر في آثار حكمته فيها وقدرته ، وظهر له منها عظمته تعالى ، فحينئذ يتمكن له أن يرى ببصيرته القلبية وعقله أفعاله تعالى التي ليست محسوسة . فإنّ أشرف صنايع الله وأفعاله وأعجبها وأدلَّها على جلالته وعظمته ما لا يظهر للحسّ ، بل هي من عالم الملكوت وهي الملائكة والروحانيّات والروح والقلب والنفس فإنها جميعا خارجة عن عالم الملك والشهادة . ثم إنّ من أداني عالم الملكوت ، الملائكة الموكَّلة بعالم الأرضين ، ثم الأدنى منهم هم الجن والشياطين المسلَّطة على جنس الإنس . ومن أعالي الملائكة وأعالي سكان عالم الملكوت ، الملائكة السماويّة ، وأعلى منهم الكروبيّون وهم العاكفون في حظيرة القدس ، لا التفات لهم إلى هذا العالم ، بل لا التفات لهم إلى غير الله لاستغراقهم بجلال الحضرة الربوبية وجمالها ، وهم من أهل الفناء في التوحيد ، ويقال لهم الملائكة المهيمة ، ولا يستبعد أن يكون في عباد الله من يشغله مطالعة جلال الله عن الالتفات إلى نفسه فضلا عن غيره . وكيف كان فهؤلاء الملائكة كلهم من أفعاله تعالى ، وإليها يشير ما في الصحيفة السجادية على منشيها آلاف الثناء والتحيّة في الدعاء الأول فراجعه . وفي الأحاديث ما يشير إلى ما ذكرناه مفصلا ، وسيأتي في طيّ الشرح بعضها . ومنها : ما روي عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله : أنّ لله أرضا بيضاء مسيرة الشمس فيها ثلاثون يوما هي مثل أيام الدنيا ثلاثون مرّة مشحونة خلقا ، لا يعلمون أنّ الله يعصى في الأرض ، ولا يعلمون أنّ الله خلق آدم وإبليس . هذا ولكن أكثر الخلق إدراكهم مقصور على عالم الحسّ والتخيّل مع أنهما من