بمعنى العقل بقرينة قوله عليه السّلام فيما بعد : وأولي النهى ، وسيجئ بيانه أنه بمعنى العقل ، وهذه الصفة من صفاته تعالى وهو فيه تعالى بمعنى المهلة . وفي التوحيد : الحليم معناه أنه حليم عمّن عصاه ، لا يعجل عليهم بالعقوبة وكيف كان ، فهو يكون في الإنسان بمعنى عدم المسارعة إلى المعاقبة ، وضبط النفس عنها مع القدرة للعلم بالعواقب ، فيؤخر العقوبة إما لكرم النفس فينتج العفو والتجاوز والمسامحة ، قال الله تعالى : والعافين عن الناس والله يُحب المحسنين 3 : 134 فجعلهم الله أهل محبّته ، وإما للعلم بعدم الفوت وذلك هو الأناة وعدم الاستعجال . وإليه يشير قوله عليه السّلام في الدعاء : " وإنما يعجل من يخاف الفوت " وأيضا هو حينئذ التؤدة بمعنى التأني ، والتثبت في الأمور ، بترك المبادرة والاستعجال بدون الروية ، فثمرة هذا هو العلم بالأصلح كما لا يخفى . وقد يكون الحلم لأجل أن يكون سببا لنيل الانتقام بنحو أبلغ ، وإليه يشير قوله تعالى : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون 45 : 14 [1] فأمر الله نبيّه أن يأمر المؤمنين بعدم الانتقام من المجرمين ، ليكون الله تعالى هو المنتقم لهم منهم ، والله أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا . وهذا يكون خاص للمؤمنين العالمين بأنّ الله هو المنتقم لهم من الأعداء . هذا وفي تحف العقول فيما أجاب النبي صلَّى الله عليه وآله لشمعون بن لاوي بن يهودا من حواري عيسى عليه السّلام حين سأله عن العقل ، إلى أن قال صلَّى الله عليه وآله : فتشعب من العقل الحلم ، ومن الحلم العلم ، ومن العلم الرشد ، إلى أن قال صلَّى الله عليه وآله : فأما الحلم فمنه ركوب الجميل وصحبة الأبرار ، ورفع من الضعة ، ورفع من الخساسة ، وتشهّي الخير ، ويقرّب صاحبه من معالي الدرجات ، والعفو والمهل والمعروف والصمت ، فهذا ما تشعب للعاقل بحلمه ، الحديث بطوله . أقول : الحلم من شعب العقل ، وما بعده من الخصال ، التي ذكرها صلَّى الله عليه وآله تشعبت