قسم كان وهم يحيطون به أنّه كان هذا بالنسبة إلى أصل وجوده ، وأمّا بالنسبة إلى أنّه مستمرّ أم منقطع فلا يحيطون به إلا إحاطة إخبار . وقسم لم يكن بعد عن الممكنات المقدورة فهذا يحيطون به إحاطة إخبار لا إحاطة وجود وعيان ، هذا كلَّه بالنسبة إلى الممكنات المقدّرة أي ما يمكن تعلَّق القدرة بها ، وأمّا الممكنات الغير المقدورة له تعالى فربّما يقال بأنّه محال إذ لا معنى للممكن إلا ما كان متعلَّقا لقدرته تعالى وإلا فهو من الممتنعات وجوده كشريك الباري كما لا يخفى . هذا في القسم الأوّل ، والثاني : من المراد في قوله تعالى : ولا يحيطون بشيء من علمه 2 : 255 أنّ الممكن وإن كان نبيّا أو الأئمّة عليهم السّلام فهو فقير ذاتا ومعنى الفقر الذاتي أنّه دائما يحتاج إلى إفاضة الوجود من الغني بالذات إليه آنا فآنا فكلّ آن يكون وجوده ووجود الفيض المفاض عليه غير السابق عليه كما حقّق في محلَّه . وحينئذ نقول : إنّ ما أحاطوا به وعلموه لم يكن إلا بتعليم الله تعالى لهم آنا فآنا أي : إنّه لم يكن تعليمه تعالى لهم عليهم السّلام أنّه أعلمهم ورفع يده عنهم بحيث يكونون غير محتاجين إليه تعالى - تعالى الله عن إمكان استغناء شيء عنه علوّا كبيرا - بل ما علموه إنّما هو بتعليم الله لهم عليهم السّلام في لحظة . ومعنى ذلك أنّه إذا علموا أنّ غدا تطلع الشمس - إن شاء الله - ما ملكوا من هذا العلم شيئا إلا لحظة علمهم بذلك وفي ذلك الآن وحينما علموا لا قبلها ولا بعدها ، وأمّا العلم بطلوعها قبلا أو بعدا . والحاصل في غير ذلك الآن واللحظة فهو بتعليم جديد من الله تعالى ، فإنّ المحتاج والفقير الذاتي دائما هو كذلك ، فكما أنّ أصل حدوث الفيض فيه يحتاج إلى إفاضة من الغني بالذات فكذلك بقاؤه آنا فآنا . وذلك التعليم الدائم القائم حين يكون في اللحظات هو مصداق ما شاء الله أن يحيطوا بعلمه ، وهذا هو الذي ملكوه من العلم ، وهذا جار في جميع أنحاء علومهم ،