وأما الثاني : أي أنّهم حافظون لأحوال العباد ولحدودهم بيانه : أنه قد تقدم أنهم عليهم السّلام مناة ، أي أنّ بهم يقدر الأشياء الموجودة من حيث الحدود والمقادير كمّا وكيفا ، ومن ساير الجهات المتقدمة ، فهم الحافظون لهم ولأحوالهم بشئونها ، وهذا الشأن الذي لهم هو تأويل قوله تعالى : إن كلّ نفس لمّا عليها حافظ 86 : 4 [1] أي الملائكة كما في تفسير علي بن إبراهيم ، وتأويل قوله تعالى : له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله 13 : 11 [2] . ففي تفسير نور الثقلين وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله : له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله 13 : 11 ، يقول : بأمر الله من أن يقع في ركى [3] أو يقع عليه حائط ، أو يصيبه شيء حتى إذا جاء القدر خلَّوا بينه وبينه ، يدفعونه إلى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل ، وملكان بالنهار يتعاقبانه ، فالملائكة هم الحفظة من هذه الأمور إلى أن يجيئه القدر . ومن المعلوم كما تقدم أن الملائكة تحفظ عنهم أعمال العباد ، وتكتبها في كتب المكلفين ، وهؤلاء الملائكة غير الحافظين لأعمال العباد وعرضها عليهم عليهم السّلام فإن حفظ العمل شأن ، وعرضه عليهم شأن آخر كما لا يخفى . وأيضا أنهم عليهم السّلام يبعثون بأمر الله ملائكة يحفظون كلّ نسمة فلا يأتيه حجر أو صائب أو وقع من الشاهق إلا وتحفظه الملائكة عنها حتى يأتي أمر الله من القدر ، فيرد قدره على قلب الولي من آل محمد صلَّى الله عليه وآله فيأمر الملائكة الحفظة عن أمر الله تعالى أن يكفوا عن الحفظ والدفاع فيكفوا فيصيبه القدر ، فالملائكة تحفظ عنهم بأمرهم وعنهم عليهم السّلام مقدرات الأسباب حتى يظهر وقت الإصابة والقدر فيجري القدر .
[1] الطارق : 4 . . [2] الرعد : 11 . . [3] جمع الركية وهي البئر . .