فإطلاق الرحم والرضا والغضب وأشباهها ليس باعتبار تحقق الآثار والغايات فقط دون المبادئ بل باعتبار مبادئ تلك الأفعال وهي الأصل لها ، وهي التي تكون أسماء معنوية مخلوقة مبدأ لتلك الأفعال مثلا حقيقة الرحمة والرحم هو معنى في نفسه الذي باعتباره تكون الرحمة للممكنات منه تعالى ، وهو حقيقة اسم الرحمة وهو اسم من أسمائه المخلوقة كما يدل عليه ما هو المشهور . وأورده في المجمع عن النبي صلَّى الله عليه وآله : أن لله عز وجل مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه فبها يتعاطفون ويتراحمون وأخّر تسعا وتسعين يرحم بها عباده يوم القيمة . فتلك الحقيقة المعبّر عنها بمائة رحمة هي العطوفة المخلوقة ، التي هي مبدأ الرحم ، والرحمة صفة لها وعنوانها . فظهر أن انكسار القلب ولو في الخلق سبب لظهور تلك الرحمة المنفصلة في القلب عن الانكسار القلبي فبوجوده يعطف على المرحوم . وهذه كلَّها هي الظاهرة في الآباء والأمهات والأرحام وغيرهم بالنسبة إلى الأولاد والأقرباء وغيرهم . وكلما كان القلب أصفى كان ظهور الرحمة بالنسبة إلى الخلق أتم كقلوب الأنبياء والأئمة والأولياء فضلا عنه تعالى ، ولهذا أمرنا بالتخلق بأخلاق الله أي بتصفية القلوب لتظهر تلك الرحمات منا كثيرا . وحيث إنه تعالى مجرد عن شوائب النقص ، فظهور الرحمة أي العطف منه تعالى بملاحظة احتياج الخلق وفاقتهم يكون أكثر وأتم ، فهو إذا ذو الرحمة الواسعة خصوصا إذا لوحظ فيه غناه الذاتي فيؤيد حينئذ في سعة رحمته قال تعالى : وربّك الغني ذو الرحمة 6 : 133 . فبملاحظة العطوفة التي هي اسم من أسمائه وهو حقيقة معنى الرحمة ، فهو تعالى ذو الرحمة فيرجع إطلاق الرحمن والرحيم عليه بلحاظ أنه ذو الرحمة ، أي