فحينئذ نقول : الرحمة ومشتقاتها المطلقة عليه تعالى إنما يراد منها المعنى الثاني ( أي العطف والعطوفة ) فهو رحيم أي ذو عطف على الخلق في ظرف ملاحظته تعالى حاجتهم وضرّهم واحتياجهم فيعطف عليهم لإصلاح أمورهم . فعليه فإطلاق الراحم عليه تعالى بنحو الحقيقة اللغوية لا بنحو المجاز ، ضرورة أن توهم المجاز إنما هو بلحاظ أخذ الرقة في معنى الرحم . وقد علمت أنه توهم باطل فإنه ناشئ من عدم تجريد أصل معنى الرحم من الأغشية اللازمة بحسب الموارد المستعملة في الخلق من الرقة والانكسار والأفعال ونحوها ، وحيث إن هذه خارجة عن مفهوم الرحم بحسب اللغة كما علمت فإطلاقه عليه تعالى بما له من العطف يكون بنحو الحقيقة . فإن قلت : بعد ما اشتهر من أن إطلاق اللفظ كالرحم والغضب مثلا عليه تعالى إنما يكون باعتبار الأثر والغاية وإلغاء المبادئ ، التي تكون في الخلق المنفية عنه تعالى ، فحينئذ لا حاجة إلى التجشم بما ذكر من اختصاص معنى الرحم بالعطف دون الرقة القلبية مثلا ، فإنه وإن فرض كونها كذلك لغة لا مانع من إطلاقه عليه باعتبار الغاية وإلغاء المبادئ . قلت : لا حاجة إلى إطلاق تلك الألفاظ عليه تعالى بلحاظ الغاية والأثر دون المبادئ فرارا من استناد ما هو منزّه عنه إليه تعالى ، فإنه مضافا إلى أنه يلزم أن يكون أغلب الإطلاقات عليه تعالى مجازا وهو خلاف الأصل أنه بعد ما أمكن إطلاقها عليه بنحو الحقيقة بنحو تساعده اللغة والعرف بل والدليل كما علمت ، فلا حاجة إلى التجشم بما ذكر من كون الإطلاق بلحاظ الغاية وترك المبادئ كما لا يخفى . والوجه فيه أنّ لأفعال الله سبحانه مبادئ وجودية عينية موجودة في صعقها على التحقيق بنحو تكون تلك المبادئ العينية حقيقة معاني تلك الألفاظ التي يطلق عليه تعالى .