بيانه : أن الموجودات كلَّها موجودة ومنتعشة بالرحمة الإلهية ، فهي واسعة لكلّ شيء في الدنيا . ثم إذا كان المرحوم بها من أهل التقوى فتكون الرحمة حينئذ له ثابتة ومكتوبة أي مثبتة ، فالرحمة بالمؤمنين هي نفس الرحمة الواسعة إلا أنها بالتقوى صارت ثابتة لموردها لا مستعارة ، فغير المؤمن تؤخذ منه الرحمة فتسلب عنه فيصير إلى العذاب الإلهي دون المتقي ، فبهذا الاعتبار تسمى الرحمة الثابتة والباقية الرحمة المكتوبة أو الخاصة بالمؤمنين . ثم إنه يشير قوله تعالى : الرحمن 1 : 3 إلى الرحمة الواسعة وقوله : الرحيم 1 : 3 إلى الرحمة المكتوبة كما لا يخفى . هذا ولكنّ الحقّ أن يقال : إن الظاهر في موارد ظهور الرحمة ثلاثة أمور : الأول : الرقة وانكسار في قلب الراحم . الثاني : عطف القلب نحو المرحوم . الثالث : ترتب الآثار التي يقتضيها العطف على المرحوم . فحقيقة الرحمة هو الأمر الثاني ( أعني عطف القلب ) دون الأول والثالث . أما عدم كونه الأول ( أعني رقة القلب ) فلأن الرحم متعدّ بنفسه يقال : رحمته ، والرقة القلبية لازمة غير متعدية فهي خارجة عن مفهوم الرحم كما لا يخفى . فقوله : رقّ قلبي ، لازم إلا إذا عدّي بقوله : له ، فحينئذ يشرب فيه معنى رحمته ، وإلا فلا تعد له إلى غيره بأثر ، نعم الرقة القلبية هي سبب للعطف القلبي . وأما عدم كونه الثالث ( أعني الآثار والأفعال المترتبة على المرحوم ) فلأنه يقال : فلان رحيم القلب ، ولا يقال : رحيم الفعل ، فيعلم أنه لا يصح حمل الرحمة على الفعل واستنادها إليه . فالرحمة هي من الصفات الباطنية دون الأفعال الخارجية بل هي منبعثة عنها وأثر لها .