وأما الاعتبار الرابع فحيث إنهم عليهم السّلام لهم الولاية التكوينية ، فجميع التصرفات من الأسماء الحسني التي ملأت أركان كلّ شيء ، يكون بواسطتهم وهم المتصرفون في الخلق بما منحهم الله من القدرة والصفات ، التي منها أنهم عليهم السّلام يرحمون العباد بإذنه تعالى لما هم رحمته الواسعة ، كما لا يخفى . وتقدم عن التوحيد ما دلّ على أن نزول الرحمة وساير البركات على الخلق إنما هي بواسطة الأوصياء عليهم السّلام . ثم لا ريب في أنه تعالى ذو الرحمة أي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه ، قيل : ومنه قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى 20 : 5 أي أنه سبحانه استوى برحمانيته على العرش أي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه . والمراد من العرش جميع ما سواه ، يعني أنه تعالى يرحم ما سواه بأن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه . فهذه الآية معنى كقوله تعالى : أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى 20 : 50 فالعرش أي ما سوى الله تعالى هو رحيم بهم . فتارة يرحمهم بأن خلقهم فخلق كلّ موجود بما تقتضيه الحكمة الإلهية كمّا وكيفا فهو استوى على الخلق أي خلقهم بمقتضى رحمته وحكمته . وتارة يرحمهم أي يعطيهم الحياة ، فمنه تعالى حياة كلّ شيء حسب ما اقتضته رحمته وحكمته ، وتمتاز الحياة عن الخلق بأن الخلق صرف الوجود والحياة وجود مع الأثر المترتب منه في عافية ، أو أن الخلق عام والحياة خاص بلحاظ الآثار المترتبة عليه كما ينبغي . وتارة يرحمهم بأن يرزقهم ما به قوام عيشهم في الحياة . وتارة أيضا يرحمهم بأن يميتهم أيضا رحمة للكلّ ، فبالموت يصل كلّ موجود إلى ثمرة وجوده كما حقق في محلَّه ، خصوصا بالنسبة إلى المؤمنين فإنه لهم روح وريحان كما في الخبر .