ومن المعلوم أنه ما كان في كفيه المباركتين شيء ، فإنما كنى بذلك العمل على أن وجوده المقدس له من الإحاطة والسعة ما وسع جميع الخلق سعيدهم وشقيهم ، وهو عالم بجميع أحوالهم وهو مسيطر عليهم وعارف بخصوصياتهم إلى يوم القيامة . ثم إنه بعد ما علمت أن الوحي الحقيقي تجلى الجميع في قلب النبي صلَّى الله عليه وآله وعلمت أن ما ألقي فيه من العلم والمعارف وما تجلى فيه من ربه تعالى هو بتمامه وكماله انتقل إلى أمير المؤمنين والأئمة عليهم السّلام كما تقدمت الأحاديث الدالة عليه . فحينئذ يظهر لك أن ما أوتي محمد صلَّى الله عليه وآله من حقيقة الوحي ومراتبها أجمع هو طبعه الأولي الذاتي منه تعالى صلَّى الله عليه وآله بتمامه وكماله . وما أوتي إليهم عليهم السّلام من مراتبه هو ما كان دونه بمرتبة يعني إذا تنزلت حقيقة الوحي عن طبعها الأولي في قلب النبي حيث له النبوة فقط ، فنزولها عن تلك المرتبة هي المرتبة التي أوتيها آل محمد صلَّى الله عليه وآله . فهم حينئذ مهبط الوحي بحقيقته ، نعم في المرتبة المتأخرة عن مرتبة النبوة ، وهذا معنى ما دلّ على أن الوحي مختص بالرسول ، وأنهم عليهم السّلام قد أوتوا ما أوتي النبي مع اختصاص الوحي به دونهم فتأمل تعرف . فحينئذ بأيّ معنى فسّر الوحي لغة ؟ يمكن أن يراد من قوله عليه السّلام : " ومهبط الوحي ، " المعنى الحقيقي سواء فسّر بأنه عبارة عما يلقى إلى الأنبياء من عند الله تعالى ، أو ساير التعاريف الأخر فإنهم عليهم السّلام بتمام المعاني مهبط الوحي ، نعم بواسطة النبي وفي مرتبة ثانية كما علمت . ثم إنه لم يؤخذ في معنى الوحي عدم الوساطة حتى يكون إطلاقه عليهم عليهم السّلام مجازا كما لا يخفى بل ثبت عمومه ، وحينئذ نقول : كونهم مهبط الوحي يكون بمعان : الأول : أنهم مهبطه بواسطة النبي صلَّى الله عليه وآله كما علمت . الثاني : كونه كذلك باعتبار هبوطه على جدهم في بيوتهم .