بإلقاء ذلك في قلبه . قال بعض المحققين : ومن صفاته أن يكون صافي النفس في قوته النظرية صفاء تكون شديدة الشبه بالروح الأعظم فتصل به متى أراد من غير كثير تعمّل وتفكَّر ، حتى تفيض عليه العلوم اللدنية من غير توسط تعليم بشري بل يكاد زيت عقله يضيء ولو لم تمسسه نار التعليم البشري بمقدحة الفكر وزند البحث والتكرار ، فإن النفوس متفاوتة في درجات الحدس والاتصال بعالم النور . فمن محتاج إلى التعلم في جلّ المقاصد بل كلَّها ، ومن غبّي لا يفلح في فكره ولا يؤثر فيه التعليم أيضا حتى خوطب النبي الهادي في حقه : إنك لا تهدي من أحببت . . 28 : 56 [1] وما أنت بمسمع من في القبور 35 : 22 [2] إنك لا تسمع الموتى . ولا تسمع الصمّ الدعاء . . 27 : 80 [3] وذلك لعدم وصولهم بعد إلى درجة استعداد الحياة العقلية ، فلم يكن لهم سمع باطني يسمع به الكلام المعنوي . وكيف كان فالنبي جالس بين حدّ المشترك بين عالم المعقول وعالم المحسوس ، قال بعض العلماء : السر في اطلاع النبي على الملك الموحى دون غيره أنه لما كان صقل روحه بصقالة العقل للعبودية التامة ، وزالت عنه غشاوة الطبيعة ورين المعصية بالكلية ، وكانت نفسه قدسية شديدة القوى قوية الإنارة لما تحتها ، لم تشغلها جهة فوقها عن جهة تحتها فتضبط الطرفين وتسمع الجانبين ، ولا يستغرقها حسّها الباطن عن حسّها الظاهر ، فإذا توجّهت إلى الأفق الأعلى ، وتلقّت أنوار المعلومات بلا تعليم بشري من الله يتعدى تأثيرها إلى قواها ويتمثّل صورة ما يشاهده لروحها البشري . ومنها : إلى ظاهر الكون فتمثل للحواس الظاهرة سيّما السمع والبصر ، لكونها أشرف الحواس الظاهرة وألطفها ، فيرى شخصا محسوسا ، ويسمع كلاما منظوما في غاية الجودة والفصاحة ، أوترى صحيفة مكتوبة . فالشخص هو الملك النازل الحامل للوحي الإلهي ، والكلام هو كلام الله ، والكتاب كتابه ، وقد نزل كل منها من