ثم تستشعر بقلبك أنك واقف على حظيرة القدس ، ومهوى الأفئدة من الملائكة والجن والإنس ، ومأوى الذين لهم الملك العظيم حيث أوجب الله تعالى على الخلق أجمع إطاعتهم . وتجعل نفسك في مقام الخضوع والخشوع والأدب حيث إنك حينئذ صرت في محل الملائكة قلبا ، وفي عالم الأنوار أي أنوار الأدب محمد وآله الطاهرين ، وناظرا إلى ما نظروا إليه من عظمة الجلال والجبروت للحيّ الذي لا يموت ، ولمظاهره العالية بالقدس والطهارة الإلهية ، أعني حقيقة أرواحهم عليهم السّلام وولايتهم ، فبتجلي أنوارهم تشاهد عظمتهم . وحينئذ ترى ذلة نفسك وتقصيرك في حقّ معبودك ومواليك ، فتحصل لك حالة الاستغفار والتوبة والذلة والإنابة فتسترحمهم وتستعطفهم لتنال بذلك منهم القدح الأدنى ، وتشرب من حبّهم الكأس المعين من عين سلسبيل . وحصول هذه المراتب ورفع هذه الحجب إنما هو كما علمت بأمور : منها : الاستغفار المذكور . ومنها : التكبير حيث علمت أن إمرار حقيقة التكبير ، يوجب رفع الحجب ، التي هي حجب الغفلة كما لا يخفى ، قال عليه السّلام : فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : الله أكبر ثلاثين مرة . وإنما أمر عليه السّلام بالتوقف لتأخذ أهبّتك واستعدادك ، كما أن الملائكة وقفت في مثل هذه الأماكن المعنوية لهذه الجهة وتحصيل الاستعداد هو التفكر فيما ذكر قبلا ، لكي تتهيأ لملاقاتهم ، قال عليه السّلام : ثم امش قليلا وعليك السكينة والوقار وقارب بين خطاك ( لما تقدم وجهه ) ثم قف وكبر الله ثلاثين مرة . وإنما أمر عليه السّلام بالوقوف ثانيا ، لأنه بعد ما حصل بتلك التكبيرات الأولى قرب معنوي ، فلا محالة يشاهد من أنوارهم ما يبهر العقول ويحار فيه اللب فتحصل منه الدهشة والقلق . فلا بد من الوقوف أيضا ، لتحصيل الهدوء والسكينة والاستعداد لما يلقاه بعد