العرفان ، كيف لا وإن أرواح المؤمنين متصلة بروح الله تعالى ؟ ففي طرف الملاقاة يظهر آثار التوحيد والربوبية بينهما بنحو لا يكون لغيرهم من الملائكة المقربين . فعن الكافي بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إن اشتكى شيئا منه ، وجد ألم ذلك في ساير جسده ، وأرواحهما من روح واحدة ، وإن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من شعاع الشمس بها . قال الفيض ( رضوان الله عليه ) - بيان - وذلك : لأن المؤمن محبوب لله عز وجل كما قال سبحانه : يحبهم ويحبونه 5 : 54 ، ومن أحبه الله تعالى كان سمعه وبصره ويده ورجله ، فبا لله يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشي ، وأيّ اتصال أشد من هذا ، انتهى . وفي الكافي بإسناده عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إن المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرحمة ، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلا وجه الله ، ولا يريدان غرضا من أغراض الدنيا قيل لهما : مغفورا لكما فاستأنفا ، فإذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحّوا عنهما فإن لهما سرّا ، وقد ستر الله عليهما . قال إسحاق : فقلت : جعلت فداك فلا يكتب عليهما لفظهما ، وقد قال الله عز وجل : ما يَلفِظُ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ 50 : 18 [1] قال : فتنفس أبو عبد الله عليه السّلام الصعداء ، ثم بكى حتى أخضلت دموعه لحيته وقال : يا إسحاق إن الله تبارك وتعالى إنما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا إجلالا لهما ، وأنه وإن كانت الملائكة لا تكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما ، فإنه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السرّ وأخفى . أقول : فانظر إلى لطفه تعالى لهما في حال المعانقة ، وإجلاله تعالى لهما ثم اعتبر ببكائه عليه السّلام فإنه عليه السّلام إنما بكى لما علم من ظهور آثار اللطف منه تعالى لهما ، التي هي المشتاقة إلى أولياء الله تعالى ، فحينئذ يعلم أن السبب الوثيق لهذه الألطاف الحسنة