قالوا : يا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟ فقال صلَّى الله عليه وآله : الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ، فاهتمّوا بآجلها حين اهتمّ الناس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ، وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم ، فما عرض لهم منها عارض إلا رفضوه ، ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه ، خلقت الدنيا عندهم فما يجدّدونها ، وخربت بينهم فما يعمّرونها ، ومللت في صدورهم فما يحبّونها ، بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم ، نظروا إلى أهلها صرعى ، قد حلَّت بهم المثلات ، فما يرون أمانا دون ما يرجون ، ولا خوفا دون ما يحذرون . ولاية النبي والإمام : فصل : في بيان أن النبوة والولاية لهما اعتباران الإطلاق والتقييد ، والعام والخاص ، وبيان معنى ولاية النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والإمام عليه السّلام . يتبيّن في هذا الفصل - وهو أهمّ الفصول - معنى ولاية الله تعالى الحاصلة للنبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والأئمة عليهم السّلام ، التي بها يمتازون عمّا سواهم ولا يكون أحد في مستواهم . فنقول : إن النبوة والولاية مطلقة أي عامّة ، ومقيّدة أي خاصّة . بيانه : أن أصل النبوة والولاية من حيث هي صفة إلهيّة كما علمت سابقا تكون مطلقة . ومن حيث استنادها إلى الأنبياء والأولياء تكون مقيّدة ، والمقيّد متقوّم بالمطلق ، أي أنها لما كانت صفة إلهيّة ، فهي الأصل ، وتكون مطلقة . والمطلق - أي هذا الأصل - ظاهر في المقيّد ، فنبوة الأنبياء كلَّهم من حيث إنّهم مظاهر لها هي جزئيات النبوة المطلقة ، وولاية الأولياء جزئيات الولاية المطلقة ، بمعنى أن النبوة والولاية لما كانتا صفة إلهيّة ، وهي من حيث هي صفة له تعالى ، ليس لها حدّ محدود ، ولا نعت موجود ، كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام في صفاته تعالى ، فهي لا محالة مطلقة ، ولكنّها باعتبار