الكمالات ، المشتملة على الأسماء الحسني والصفات العليا بسط مملكة الإيجاد والرحمة ، ونشر لواء القدرة والحكمة بإظهار الممكنات ، وإيجاد المكوّنات ، وخلق الخلائق ، وتسخير الأمور وتدبيرها ، وكانت مباشرة هذا الأمر من الذات القديمة الأحدية بغير واسطة بعيدة جدّا . أقول : الأحسن أن يقال : واقتضت الحكمة الأزلية عدم مباشرة الأمور بذاته المقدسة ، بل اقتضت الوساطة ، كما أشير إليه في بعض الأخبار ، وذلك لأن التعبير المذكور ربما يعطي عدم إمكان المباشرة بلا واسطة ، مع أنه لا ريب في إمكان ذلك له تعالى بقدرته ، نعم لا بالمباشرة الحسية بل بالقدر والخلق لكلّ شيء حين لزومه بلا واسطة فتدبر تفهم ، لبعد المناسبة بين عزة القدم وذلة الحدوث : فقضى سبحانه بتخليف نائب عنه في التصرف والولاية والحفظ والرعاية ، فلا محالة له وجه إلى القدم يخلف عنه في التصرف ، وخلع عليه خلع جميع أسمائه وصفاته ، ومكَّنه في مسند الخلافة بإلقاء مقادير الأمور إليه وإحالة الجمهور عليه . فالمقصود من وجود العالم أن يوجد الإنسان ، الذي هو خليفة الله في العالم ، فالغرض من الأركان حصول النباتات ، ومن النباتات حصول الحيوانات ، ومن الحيوان حصول الإنسان ، ومن الإنسان حصول الأرواح ، ومن الأرواح الناطقة حصول خليفة الله في الأرض كما قال الله تعالى : إني جاعل في الأرض خليفة 2 : 30 . فالنبيّ لا بد من أن يكون آخذا من الله ، متعلما من لدنه ، معطيا لعباده ، هاديا لهم ، فهو واسطة بين العالمين سمعا من جانب ولسانا إلى جانب ، وهكذا حال سفراء الله إلى عباده وشفعاء يوم تناده ، فلقلب النبي بابان مفتوحان : باب مفتوح إلى عالم الملكوت ، وهو عالم اللوح المحفوظ ، ومنشأ الملائكة العلمية والعملية . وباب مفتوح إلى القوى المدركة ، ليطلع على سوانح مهمات الخلق ، فهذا النبي يجب أن يلزم الخلائق في شرعه الطاعات والعبادات ، ليسوقهم بالتعويد عن مقام الحيوانية إلى مقام الملكية ، فإن الأنبياء رؤس القوافل .