وعليه فمجرّد العمل لا يوجب تحقق الإيمان في القلب ، ولو بمثل الشهادتين ، بل العمل الذي يكون عن تصديق قلبي هو الذي محقق للإيمان أزيد مما كان قبلا ، ضرورة أنّ الايمان كما سيجيء له مراتب ويدل عليه خبر جميل بن درّاج من قوله عليه السّلام قلت : أليس هذا عمل ؟ قال : بلى . توضيحه : إنّ السؤال فيه إنّما عن الإيمان وحده ، فتفسيره عليه السّلام بالشهادتين أوهم في ذهن جميل بن دراج أن يكون مجرّد الإقرار اللساني إيمانا ، ولذا سئل عنه عليه السّلام قال : قلت : أليس هذا عملا ؟ فصدّقه عليه السّلام بقوله : بلى ، ثم قال : قلت : فالعمل من الإيمان ، يعني أن هذا العمل أعني الشهادتين من الإيمان فيكفي في تحققه مجرد الإقرار اللساني ، فأجاب عنه بقوله عليه السّلام : لا يثبت له الإيمان إلا بالعمل ، أي أن هذا الإيمان أعني الإقرار بهما لا يثبت له ، أي لا يكون مصداقا للإيمان بمجرّده إلا إذا كان مع العمل بالوظائف الناشئ عن التصديق القلبي . فتحصّل منه أن كون الإقرار بهما إيمانا ليس على إطلاقه ، بل لو كان عن بصيرة القلب الموجبة للعمل الصالح ، وإلا فالعمل بدون البصيرة لا يفيد إلا بعدا . ففي الكافي بإسناده عن طلحة بن زيد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : " العامل على غير بصيرة كالساير على غير الطريق لا تزيده سرعة السير إلا بعدا " ولا بصيرة أوجب لتقبّل الأعمال وأثرها في القلب مثل القول بولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السّلام كما سيجيء قريبا ، فمجرد القول بالإقرار ليس إلا الإسلام كما هو ظاهر غيرها من الأخبار . والحاصل : أنّ الإيمان صفة للقلب وبالعمل تزيد مراتبه ، وأصله نور أثره ما ذكره الله تعالى في قوله : إنّما المؤمنون الَّذين إذا ذكر الله وجلت قلوبُهم وإذا تُليت عليهم آياتُه زادتهم إيمانا وعلى ربّهم يتوكَّلون . الَّذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم يُنفقون . أُولئك هم المؤمنون حقّا لهم درجات عند ربّهم ومغفرة ورزق