غضبه يرى نفسه خاليا عن العقل فلا يرى إلا ما يأمره الغضب من الانتقام ، وكذا الشهوة إذا تحركَّت ذهب ثلثا العقل ، فترى أنه يصدر منهما ما لا يصدر ممّن لا غضب له ولا شهوة . وهما أي النفس والعقل أيضا إذا ذهب الغضب والشهوة يدركان غفلتهما ، وأنهما كانا محجوبين حينهما ، ولذا يندمان على ما صدر منهما حالهما . فالإنسان بمعونة العقل وجنوده الذي هو الحجة الباطنة منه تعالى يمكنه التخلص من صفات النفس ، فإذا تخلص من الجهل وجنوده ومن علائق الدنيا تكون روحه في كمال الصفاء فيمكنه مشاهدة ما وراء عالم الطبيعة . والحاصل : أنّ الجاهل كما أنه لا ينكشف لديه كثير من العلوم لجهله ، وكذلك الأسير لنفسه وإن كان عالما ، لا ينكشف لديه كثير من المعارف لمكان صفات نفسه ، وأما إذا أحيا عقله وأمات نفسه ، فينكشف لديه الواقع ، قال عليه السّلام : " قد أحيا عقله وأمات نفسه حتى دقّ جليله ولطف غليظه ، فبرق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق وسلك به السبيل " الخطبة ، وقد تقدم لهذا مزيد بيان . ثم إنه كما علمت من بعض الأخبار السابقة أنّ العلم الصحيح لا يكون إلا ما خرج منهم عليهم السّلام كيف لا وهم معدن العلم وأهل بيت الوحي ؟ فاعلم أيضا أنّ السير الروحي والمشي على الطريقة المحمدية روحا لا يكون إلا بالتوسل بهم والاستمداد منهم روحا . وتوضيحه بعد بيان الآيات والأخبار في فنقول : قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة 5 : 35 وفي تفسير الصافي والقمي قال : " تقرّبوا إليه بالإمام عليه السّلام " وفي زيارة الجامعة : " ومن قصده توجه بكم " وسيأتي شرحه . وفي العيون عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله : الأئمة من ولد الحسين عليه السّلام من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى والوسيلة إلى الله .